تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

لم تعمِّر البنيوية كثيراً فقد دُفنت في سنة 1966م بعد محاضرة جاك دريدا المشهورة في مؤتمر جونزهوبكنز والتي تعتبر أساس ما يعرف الآن بالتفكيك. هذا مع أن التفكيك يرتبط بهايدغر في الأصل ولكن جاك دريدا هو الذي عممه بشكل سريع في الفكر الفرنسي المعاصر.

التفكيك والبعض يطلق عليه التقويض هو المصطلح الذي أطلقه الفيلسوف الفرنسي جاك دريدا على القراءة النقدية التي اتبعها في مهاجمته للفكر الغربي " الماورائي " منذ بداية هذا الفكر حتى يومنا هذا. والقراءة التفكيكية هي قراءة مزدوجة تسعى إلى دراسة النص أياً كان دراسة تقليدية أولاً لإثبات معانيه الصريحة، ثم تسعى إلى تقويض ما تصل إليه من نتائج في قراءة معاكسة تعتمد على ما ينطوي عليه النص من معان تتناقض مع ما يصرح به. ويمكن القول إن دريدا يسير على أثر كلٍّ من نيتشة وهايدغر في فلسفتهما العدمية والهدمية.

لقد استطاع التفكيك أن يسهم في زعزعة المسلمات التقليدية الميتافيزيقية الغربية إلا أنه وصل إلى دوامة محيِّرة، إذ إن دريدا لم يطرح بديلاً عن هذه المسلمات بعد أن قوّضها، بل إن البديل نفسه كما يرى دريدا لا بد يتسم بسمات الميتافيزيقا لا محالة.

لقد انبثق التفكيك على يد دريدا بعد قراءة لفلسفات أفلاطون وكانط وهيجل وروسو ونيتشة وهوسرل وهايدغر. ولكن يبدو أن أكثر الفلسفات تأثيراً في التفكيك هي الفلسفة النيتشوية حتى إن دريدا يجعل النص يتماهى مع نيتشة فيقول: "" إن مستقبل النص / نيتشة لم يقفل "" ذلك لأن النص قابل لأن تعاد كتابته وقراءته ضمن سياقات جديدة، وإن حقيقة النص لا تقتصر على إرادة مؤلفه، وإنما على إرادة قارئه. ولذلك فإذا كان هناك من يختزل فلسفة نيتشة كلها بكونها تقوم مبدأ " إرادة القوة "، فإن تفكيكية دريدا وهايدغر يمكن أن تُختزَل بكونها إرادة الإرادة. وإذا كان نيتشة قام بتفكيك فكرة الحقيقة عن طريق جمهرة عاجَّة من الاستعارات، فإن دريدا يمارس ذلك أيضاً على مستوى النص والفلسفة عموماً بتحويلها أيضاً إلى استعارات وإيحاءات ورموز لا يمكن أن تعني شيئاً، وبذلك تكون التفكيكية قائمة على تلاعبات بلاغية نيتشوية بالألفاظ.

من هنا يمكننا أن نؤكد أيضاً أن التفكيك في الواقع لا ينفصل عن محيطه الفلسفي الذي نشأ فيه، ولا يمكن فصله عن الشك السائد في الفلسفة الغربية، إذ تنطلق استراتيجية التفكيك من موقف فلسفي مبدئي قائم على الشك، يمتزج هذا الشك بإحساس شديد باليأس والإحباط، وخصوصاً بعد فشل العلم في تحقيق السعادة والأمان والمعرفة اليقينية للإنسان، وذلك بعد إلقاء قنبلتين ذريتيين في الحرب العالمية الثانية، وارتبط ذلك أيضاً بإحساس جديد بالخديعة، تمخض ذلك عن تجربة الإنسان مع العلم والتكنولوجيا حيث لم يجن الإنسان بعد طول اعتداد بالعلم إلا الدمار والجهل المتفاقم.

=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-

التأويل

سؤال:

لماذا يعمد الخطاب العلماني إلى الإكثار من التأويل شديد التعسف؟

يُعوِّل الخطاب العلماني كثيراً على التأويل في قراءته للقرآن الكريم، لأن التأويل مفهوم قرآني يمكن الولوج منه بسهولة إلى الغايات التي يبحث عنها هذا الخطاب وتحت هذه المظلة يمارس هذا الخطاب آلياته في القراءة والتي لا صلة لها بالمفهوم القرآني مطلقاً.

لقد قال هاملتون جب بصراحة: "" .. لكن الأجيال الإسلامية المعاصرة تحتاج إلى أكثر من هذا القول، فيجب أن يُثبَت لها أن لا شيء في القرآن من التناقض ولا من الباطل ... وأن الفكر العلمي أو الروائي التاريخي المعاصر لم يكتشف شيئاً يعارض سلطة القرآن وأوامره، لنصل بها إلى نتيجة لا نبلغها إلا إذا اعتمدنا على القول بأنه من كلام الله، وأنه لا يجوز الخوض فيه قليلاً أو كثيراً ... فالمطلوب أساساً هو التأويل "". وعلى هذا الدرب يخطو الخطاب العلماني حين يقرر "" .. ولهذا كان التأويل الطريق الملَكيُّ الذي انتهجه العقل العربي في طلب الحق، بل إنه في النهاية طريق كل عقل في تعامله مع النص وفي قراءته لتاريخه "".

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير