تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

هكذا فالتأويل طريق ملكي، ثم إنه الطريق الوحيد لأنه طريق كل عقل، وفي طلب الحق أيضاً، ولكن التأويل عند الخطاب الآنف الذكر هو التحريف، والنسخ، والتزوير، والتقويل!! ربما يظن القارئ أنني أتجنى وأبالغ، ولكن لنقرأ النص التالي: "" مع أن مبرر كل مفكر جدير بلقبه أن يمارس التفكير بطريقة مغايرة للذين سبقوه إذا لم يشأ أن يكون مجرد شارح مبسط أو تابع مقلد، أو حارس مدافع عن العقيدة والحقيقة، والتفكير بصورة مغايرة يعني أن نُبدِّل وننسخ أو نُحرِّف ونُحوِّر أو نُزحزح ونُقلِّب أو نُنقِّب ونكشف أو نحفر ونُفكِّك، أو نُرمِّم ونُطعِّم، أو نُفسِّر ونُؤوِّل، فهذه وجوه للتفكير وللقراءة في النصوص لا أزعم أني أقوم بحصرها واستقصائها "". إنها جميعاً معاني وآليات ممكنة لقراءة النصوص والتفكير فيها ومن هنا نجد أركون "" منشغل منذ زمن بتأويل النص المقدس أو الذي قدسه تراكم الزمن ومرور القرون "".

ربما يكون ذلك لأن التأويل بنظر الخطاب العلماني "" هو الصخرة العاتية التي تكسرت عليها وحدة الفكر الإسلامي"". وبالتالي يمكن لهذا الخطاب أن يُسهم بدوره في تكسير هذه الوحدة "" إن التأويل إحياء لثقافتنا، بل لا إحياء دون تأويل، التأويل هو طريقنا إلى الحياة "". وذلك لأنه عن طريقه يتم اختراق النص بأفق اجتهادي تجديدي، وإقامة توازن بينه وبين الواقع المتغير.

هذا هو - إذن - الباعث الذي يدفع الخطاب العلماني للدفاع عن مفهوم التأويل ووضْعه في موضع المظلوم والمُدان في تراثنا وثقافتنا، فالفكرة الشائعة – بنظره - في تراثنا تُعلي من قيمة التفسير، وتغض من قيمة التأويل، وتتقبل الأول وترفض الثاني وتصمه بأنه ضلال وزيغ.

حصل هذا – بنظره - في مرحلة متأخرة وخصوصاً على أيدي الأشاعرة، ولذلك فالعودة إلى التأويل عودة إلى الأصل، لأن السلف - وفيهم الطبري ومن قبْله - كانوا يستخدمون التفسير والتأويل بمعنى واحد، ولأن كلمة تفسير وردت مرة واحدة في القرآن، وكلمة تأويل وردت سبع عشرة مرة، مما يدل على أن التأويل أكثر لزوماً وضرورة من التفسير.

كما أن كلمة تفسير في أصل استخدامها تعني الواضح البين، وهي بهذا المعنى لا تعكس المعنى المقصود من حركة الذهن المعرفية إزاء موضوع المعرفة وهو المعنى الذي تدل عليه كلمة تأويل. التفسير يرمي فقط إلى الكشف عن مراد قائل النص ومعنى الخطاب وهو ما لا يكتفي به الخطاب العلماني، لأنه يطمح إلى أكثر من ذلك، إلى انتهاك النص عن طريق التأويل، لأن التأويل صرفٌ للفظ إلى معنى يحتمله. بل يطمح إلى أكثر من ذلك، إلى التفكيك الذي يقْطع الصلة بين النص وقائله وبين المعنى واحتمالاته.

هذا هو التأويل في المفهوم العلماني من حيث المبدأ وهو يبدو لنا جلياً من خلال الأسس التي يقوم عليها.


سؤال:
ما هي الأسس والمنطلقات للتأويل في الخطاب العلماني العربي " التأويل المنفلت المتعسف "؟

أبرز أسسهم:
1 – الأصل في الكلام التأويل:
كل كلام يُتأول لأننا نتعامل مع لغة بشرية نسبية، فالتأويل لازم من لوازم اللغة، وهو صفة ملازمة لكل خطاب دون تفريق بين النص الواضح، النص " النص " في المصطلح الأصولي، وبين المجمل أو المبهم أو المتشابه. ودون تفريق أيضاً بين العقائد والأمور المعلومة من الدين بالضرورة والمجمع عليها، وبين غيرها مما هو خاضع للاجتهاد والرأي. "" ومن ثم فالتأويل ضرورة للنص، ولا يوجد نص إلا ويمكن تأويله من أجل إيجاد الواقع الخاص به ... حتى النصوص الجلية الواضحة التي لا تحتاج في فهمها إلى تأويل ... حتى هذه النصوص لفهمها حدساً تحتاج إلى مضمون معاصر يكون أساس الحدس ""
وعلى ذلك يُعتبر أي شرح وأي تفسير نوعاً من التأويل لأن فيه اختياراً بين الألفاظ والكلمات، وترجيحاً بين الآراء وهذا كله يعكس موقف الباحث، فلا بد - بنظر الخطاب العلماني - من ملازمة التأويل لذاتية المفسر. لأن فهم النص لا يبدأ من قراءة النص وإنما يبدأ من خلفية القارئ وثقافته والدوال المكونة لهذه الثقافة وآفاقه المعرفية وبين النص.
¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير