تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والقرآن على ذلك كله متشابه وفيه دلالات محتملة لا تحصى، وتتيح للكل أن ينطقوا باسمه. وعلى ذلك لا يوجد نص مُحكم أو بالتعبير الأصولي " نصٌّ نص " يدل بمنطوقه على مفهومه دلالة مباشرة ولا يحتمل إلا وجهاً واحداً، وإن وُجد فهو نادر جداً، لأن طبيعة اللغة تعتمد على التجريد والتعميم في دلالتها، ""وهذا من شأنه أن يجعل إنتاج الدلالة في اللغة بشكل عام وفي النصوص الممتازة بشكل خاص لا يفارق جدلية النص / القارئ. إن تحديد المعنى المرجوح من المعنى الراجح في الظاهر أو المؤول تحديد مرهون بأفق القارئ وعقله "".

إن النص المحكم - بنظر الخطاب العلماني - الذي لا يحتمل إلا دلالة واحدة لا وجود له في الأرض، قد يكون موجوداً السماء، وليكن أما أهل الأرض فيريدون النص المتشابه المتعدد الاحتمالات الذي يلبي حاجات الواقع في كل تغيراته وتطوراته، لأن النص المحكم ذو البعد الواحد الذي يكون أُحادي التصور نص إمبريالي دكتاتوري، أما النص المتشابه المراوغ فهو النص الثري الذي يستجيب لإمكانيات القراءة المتعددة.

إن قوة النص في حجبه ومخاتلته لا في إفصاحه وبيانه، في اشتباهه والتباسه، لا في إحكامه وأحكامه، فالنص ليس نصاً على المراد بقدر ما هو حيِّز لممارسة آلياته المختلفة في الحجب والخداع والتحوير، والكبت والاستبعاد، وهذا شأن كلمة الحقيقة ذاتها فهي تُخفي بالضبط ما تشير إليه.

ولشدة وقع الكلام الآنف الذكر قد يظن القارئ المسلم أن هذا الكلام بما أنه صادر عن مسلمين لا يمكن أن يكون القرآن داخلاً فيه، أي لعل المقصود هو النصوص الأدبية وغيرها من

نصوص البشر؟ ولكن الحقيقة أن الخطاب المذكور يصرح بأنه لا يفرق بين النص القرآني وغيره من نصوص البشر "" فالنصوص جميعها سواء "" والقرآن ليس بمنأى عن ذلك ولا عبرة بكلام مفسري القرآن التقليديين.

2 - لا توجد قراءة بريئة:

هذا منطلق الخطاب العلماني لأن أي تأويل بنظره لابد من أن يستر وراءه بواعث أو غايات " أيديولوجية " فالقراءة لا يمكن أن تكون حيادية على ذلك لأنها تستند إلى ثقافة القارئ ومكوناته الفكرية والعلمية. وإن القول بقراءة بريئة أو خطاب برئ على صعيد الفكر الإسلامي يمثل خطلاً معرفياً لا بد أن يتحدر من موقع " إيديولوجي " وهمي إيهامي.

ومن هنا ذهب الخطاب العلماني يردد في مواطن كثيرة هذه الكلمة التي قالها آلتوسير وهي أنه لا توجد قراءة بريئة.

3 - ليس للنصوص معاني ثابتة أو دلالات ذاتية:

فلا توجد عناصر جوهرية ثابتة للنصوص، بل لكل قراءة بالمعنى التاريخي، الاجتماعي جوهرها الذي تكشفه في النص، وليس للألفاظ أي دلالة ذاتية، فالنص لا يحمل في ذاته دلالة جاهزة ونهائية، بل هو فضاء دلالي، وإمكان تأويلي.

والقراءة لا تخرج من مأزقها إلا إذا توقفنا عن النظر إلى النص بوصفه أُحادي المعنى، وإلى القراءة بوصفها تتطابق مع النص، لأن أحادية المعنى خداع على المستوى المعرفي، وأحادية المعنى تعني حقاً إمبريالية النص، ولذلك فالنص الذي ينص على الحقيقة ينتهي بانتهائها، ولكن النص لا يقول الحقيقة. إن النص صورة، بلا مضمون وروح بلا جسد، والقراءة هي التي تعطيه المعنى، لأنه عمل إنساني خالص منذ تدوينه الأول حتى قراءته الأخيرة، ولا يحتوي على معنى موضوعي، والقراءة هي التي تحيله إلى معنى، النص عمل إيديولوجي صرف. ولا يمكن الوصول إلى المعنى الحقيقي الموضوعي للنص، والقصد الإلهي منه، لأنه لا وجود لهذا المعنى فالمعنى متغير من عصر إلى عصر.

4 - تأنسن النص القرآني:

إن القرآن الكريم في منظور الخطاب العلماني كما أسلفنا لا يفلت من هذه القراءة النسبية المفتوحة فهو "" ما إن انتقل من فضائه الإلهي إلى الفضاء الإنساني حتى أخذ يعيش حالة من التشظي الدلالي المعنمي [!!] عبر البشر الفرادى والمجتمعين المتشظين وفق مواقعهم المجتمعية [!!] والمعرفية الأيديولوجية "".

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير