وفيها في باب القصاص: "النفس بالنفس، والعين بالعين، والأنف بالأنف، والأذن بالأذن، والسن بالسن"، وفي إنجيلكم بعكس ذلك كله. من ذلك: "إذا لطم أخوك خدك الأيمن، فانصب له الأيسر"، "وإذا ظلمك فاعف عنه" إلى غير ذلك من نصوص الإنجيل في ترك القصاص.
وفي التوراة أيضاً: "من كره امرأته فليكتب لها بالطلاق"، وفي إنجيلكم: "من طلق امرأته فقد عرضها للزنى"، فجعلتم الطلاق محرماً. فيا ليت شعري! في أي شيء اتبعتم التوراة؟
وأما دعواكم إتباع المسيح عليه السلام، فدعوى تشهد أفعالكم بتكذيبها، و إلا فأخبرني فيم اتبعتموه؟ فها أنتم هؤلاء اتفقتم أن المسيح كان مختوناً وأنتم غُرْل مغلفون. وعلمتم أيضاً أن المسيح كان يشرب الماء بيديه من الزهد، وأنتم تأكلون وتشربون في أواني الذهب والفضة بَطَراً وتَجَبُّراً.
وحرَّمتم اللحم في يوم الجمعة والسبت، وأكله المسيح وحواريه فيهما. واتخذتم النواقس، ولم يدر المسيح ما الناقوس. واتخذتم الأصنام في الكنائس، ولو رآها المسيح لأحرقها بالنار ومتخذيها. وقلتم فيه إنه ابن الله، والمحفوظ عنه الاقرار بالعبودية، والمسكنة والضعف. يكفيك من ذلك زهده، وشدة اجتهاده في العبادة. فيا ليت شعري! من كان المسيح يعبد؟ أتراه كان يعبد نفسه أو أباه كما يلزمكم من قولكم أنه الله، تعالى الله عن قولكم.
ولا أدري بأي مخالفتكم له أحاجيك إذ لم توافقوه في جزء واحد، صلاتكم خنوع للصليب وخضوع للأصنام، وعمدتها أشنع من كل شنيع. وهي اعتقادكم في رغيف من الخبز أنه جسم الله، وشربة من الخمر يتناولها أسقفكم تزعمون أنها دم الله، تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً.
فانظر إلى هذه المتابعة، ما أوضح بطلانها! أما إن المسيح ليتبرأ مما ينسبون إليه من العظائم، وسيقتل خنزيركم، ويكسر صليبكم، ويذَركم وما تعبدون من دون الله.
وما أبين كذب دعوى أمة تزعم الاقتداء بنبي، وهي مخالفة له في الأصول والفروع، والاعتقادات والعبادات والعادات.
ومن المعلوم أن الفائدة في إرسال الرسل إلى الخلق هي التعريف بالله [عز وجل]، والأمر بتوحيده، وتلقين الاعتقادات، وتبيين ضروب العبادات. ولو لم يبين الرسول للناس ما يعتقدون، وكيف يعبدون، لكان إرساله عبثاً يستحيل على الحكيم العليم.
وهذا أصل دينكم، وفرعه معلوم معروف هل تعلمون للمسيح فيه نصاً تعتمدون عليه، أو فعلاً تصمدون إليه. وإلا فأنت أكبر علماء دينك إذا سئلت عن نصٍّ للمسيح في القول بالآب والإبن والاتحاد والحلول، هل تجده؟ أما إنه لا يمكنك القول به؟
ثم إذا سئلت عن عبادته وعادته، هل هي موافقة لما أنتم عليه اليوم أم لا؟ ماذا تقول؟ أما إن المنصوص ليضطرك إلى القول بأن جميع ما أنتم عليه، مخالف لما كان عليه. فصح أن دعواكم اتباعَه خطأ عظيم. وإن لم تشهد بصدق مقالتي، فكذبني بنصٍّ واحد للمسيح، يشهد بصحة ما أنتم قائلون، وصواب ما أنتم معتقدون.
وأما قولك: إن كتابنا يشهد أنكم أهل كتاب، ومن كان له كتاب فيجب أن يكون له دين. فاعلم أن الله تعالى مولانا أخبرنا في كتابه، على لسان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم عنكم وعن جميع الأمم السالفة، من لدن آدم إلى بعثة نبينا. وزيادة أنه أعلمنا بأمور من الغيب لم تكن بعد بل هي كائنة، ولكن إخباره تعالى عن وجودكم ووجود اليهود.
وصدق التوراة والإنجيل في نفس الأمر، لا يستلزم صدقكم ولا صدق اليهود. بل أخبرنا تعالى بكفركم وافترائكم عليه، فقال عز من قائل: "لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ الله ثَالِثُ ثَلاَثةٍٍَ". ولا ريب أن هذه صفتكم وسمتكم، لا يشارككم فيها أحد [من الأمم].
وكذلك أخبرنا في غير ما موضع من كتابه عن كفر اليهود بقوله تعالى: "ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيئِينَ يِغَيْرِ الْحَقِّ"، وقوله تعالى: "وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَاناً عَظِيماً".
¥