كما يكون داعية إلى الله تعالى، فكم من شخص شكَّلت الشبهات المثارة حول القرآن الكريم سداً في سبيل هدايته. فلما يتبين له الحق، تجده يقبل على الإسلام مقتنعاً مصدقاً مؤمناً، ولا أقوى من إيمان من آمن بعد العلم والاقتناع. " وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ .. " [الحج: 54].
عندها يجمع المشتغل بعلم الانتصار للقرآن الكريم بين خدمة كتاب الله تعالى، والدعوة إلى دينه دين الإسلام " وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ " [فصلت: 33].
وذلك حين تكون جهود وأبحاث العلماء المشتغلين بهذا العلم بين أيدي الدعاة وكل متشكك ومتسائل.
فهداية الناس فيها خير كثير لا يعلمه إلا الله جل جلاله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " فَوَاللَّهِ لأنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلاً وَاحِدًا، خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ ". ([44])
إنَّ العاملين بهذا العلم هم الدعاة العلماء، الذين أجرهم دائم بعد موتهم، قال رسول الله r: " مَنْ دَعَا إِلَى هُدىً كَانَ لَهُ مِنَ الأجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ، لا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا .. ". ([45]) وهذا يعطي الداعية الحافز والدافعية للعمل والدعوة مع أكبر عدد ممكن من الناس، ليُحَصِّل أعلى الدرجات.
ويكفي الدعاة فخراً أن الله تبارك وتعالى يختارهم لدعوته اختياراً، فهي دعوة له وإليه، ولذلك فهو سبحانه لا يريد أن يسير في طريقها ويحمل رايتها من ليس أهلاً لها؛ لأن دين الإسلام أشرف وأسمى من أن يتصدى للدعوة إليه غير الجديرين بهذا الشرف العظيم.
تساؤلات بين يدي الموضوع:
قد يتساءل متسائل: لماذا كل هذا الجهد، وأكثر الشبهات حول القرآن الكريم متهافتة، لا يقبلها العقل السليم.
وجواب ذلك أنه ينبغي عدم الركون إلى ضعف شبهاتهم، والدعوة إلى إماتتها بالسكوت عنها. فهذا محمد رشيد رضا لم تمنعه (تهافت) شبهة دعوى اقتباس القرآن الكريم عن شعر امرئ القيس من نقدها علمياً فقال: " لولا أن في القراء بعض العوام، لما كنت في حاجة إلى التنبيه على أن هذه القصيدة يستحيل أن تكون لعربي ". ([46])
قارن علو همته ـ رحمه الله ـ مع تثبيط سعد زغلول مَن طالبَ مواجهة شبهات طه حسين حول القرآن الكريم: " إن مسألة كهذه لا يمكن أن تؤثر في هذه الأمة المتمسكة بدينها، هَبُوا أن رجلاً مجنوناً يهذي في الطريق، فهل يضير العقلاء شيء من ذلك؟ إنَّ هذا الدين متين، وليس الذي شكَّك فيه زعيماً أو إماماً فليشُك كما شاء "
ومن يومها، انطلق طه حسين تحت اسم الرحمة لرجلٍ كفيف، أو التجاهل لرجل يهذي. ولكن طه حسين كان يقطع الطريق من مرحلة إلى مرحلة، مؤثِّراً في المناهج الجامعية ثم المدرسية، وفي مناهج الثقافة والأدب والتاريخ .. ففي كل ما تناوله سموم مدسوسة، وآراء للاستشراق منشورة، وشبهات مثارة، وكتب تدرَّس في الجامعات، تتناول الرسول والإسلام بعبارات فاحشة، وحفلات رقصٍ في الجامعة .. وفوق كل ذلك: أراؤه مسروقة، أخَذها من هذا المستشرق أو ذاك، دافعَ عن الإلحاد، وعن الشك، ونافَقَ الغربيين، وهاجمَ الأزهر، وأدخلَ الأساطير إلى سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم. ([47])
كلاهما ـ محمد رشيد رضا وسعد زغلول ـ انتقل إلى الحَكَم العَدل جل جلاله، فأين أثَر وعمل هذا وأين ذاك؟
وقد يتساءل آخر: لا مسوِّغ يدعو إلى إنشاء موقعٍ على شبكة الإنترنت يخاطب الناس بمختلف أصنافهم، ينبغي أن يجمع بين قوة المادة العلمية، وجمال التصميم، وغزارة الموضوعات، والدعاية الواسعة .. وهذا يتطلب بذل كثير من المال؛ لأن أكثر المواقع الإسلامية الموجودة حالياً، تأثيرها محدود جداً، لضعف الموارد المالية .. لِمَ لا تكتفون بموقعٍ عادي، لا تكلُّفَ فيه، فالإسراف حرام، والزهد مطلوب؟!
¥