تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

"" قد لا يكون البعث واقعة مادية تتحرك فيها الجبال وتخرج لها الأجساد بل يكون البعث هو بعث الحزب وبعث الأمة وبعث الروح فهو واقعة شعورية تمثل لحظة اليقظة في الحياة في مقابل لحظة الموت والسكون "" ([185]) "" إن أمور المعاد في نهاية الأمر ما هي إلا عالم بالتمني عندما يعجز الإنسان عن عيشه بالفعل في عالم يحكمه القانون ويسوده العدل، لذلك تظهر باستمرار في فترات الاضطهاد وفي لحظات العجز وحين يسود الظلم ويعم القهر كتعويض عن عالم مثالي يأخذ فيه الإنسان حقه ... أمور المعاد في أحسن الأحوال تصوير فني يقوم به الخيال تعويضاً عن حرمان في الخبز أو الحرية، في القوت أو الكرامة."" ([186])

إن "" الجنة والنار هما النعيم والعذاب في هذه الدنيا وليس في عالم آخر يحشر فيه الإنسان بعد الموت، الدنيا هي الأرض، والعالم الآخر هو الأرض، الجنة ما يصيب الإنسان من خير في الدنيا، والنار ما يصيب الإنسان من شر فيها "" ([187])، "" أمور المعاد هي الدراسات المستقبلية بلغة العصر والكشف عن نتائج المستقبل ابتداء من حسابات الحاضر

"" ([188]). أما الحور العين والملذات فهي تعبير عن الفن والحياة بدون قلق ([189]) وأما الوطء فهو تعبير عن عقلية ذكورية جامحة إلى السيطرة ([190]).

[ line]

المطلب الثالث

المرجعية النقدية للمسخة العلمانية

إن ما قرأناه من نصوص للخطاب العلماني حول الإسلام ليست أكثر من محاولة لتمرير المشاريع النهضوية والتنويرية الغربية إلى الفضاء الإسلامي متجاهلين الفروق الحضارية والتاريخية والثقافية بين الأمتين الأوربية والإسلامية.

ولعل أبرز ما يمكننا رصده من هذه الاتجاهات التي حاول العلمانيون سحبها إلى فضائنا الإسلامي تتمثل بما يلي:

1 – فلسفة الرشديين الذين سيطروا على العقل الأوريي لمدة طويلة، وكانت فكرة الحقيقة المزدوجة أو الحقيقة ذات الوجهين من أبرز الأفكار التي ذاعت وتداولها هؤلاء المفكرون ويعنون بها أن الشيء يمكن أن يكون صادقاً فلسفياً خاطئاً لاهوتياً أو العكس، وبذلك يصبح الفيلسوف حراً في المجاهرة بآرائه ونتائجه في مجال الفلسفة بحجة أنه فيلسوف يعتبر موضوعات الإيمان تتجاوز الفهم البشري وإن كانت نتائجه الفلسفية تتعارض مع هذه الموضوعات. ([191])

فهي فكرة –إذن - يراد منها استرضاء الكنيسة دون خسائر علمية أو فلسفية، وعقد نوع من المهادنة بين الكنيسة والفلاسفة. ولقد عبر بترارك عن سخطه من هؤلاء الذين يفصلون بين الدين والفلسفة ولم يقبل هذه المهادنة، لأنه يعلم أنها بداية النهاية بالنسبة لسلطان الكنيسة، فالرشديون - كما يتحدث - إذا جاهروا بمجادلاتهم احتجوا بأنهم يتكلمون مع قطع النظر عن الدين، إنهم يبحثون عن الحقيقة بنبذهم الحقيقة، وإنهم يبحثون عن النور بإدارة ظهورهم نحو الشمس، ولكنهم في السر لا يتركون مغالطة أو تجديفاً. ([192])

أليس هذا هو ما يردده أولئك الذين يتحدثون - في عصرنا – عن أنهم رجال علم لا علاقة لهم بالدين، ولذلك فهم يبيحون لأنفسهم باسم العلم أن يقرروا ما يشاءون من القضايا التي يرفضها الدين، فالدين بنظرهم له مجاله والعقل له مجاله ولا يتدخل أحدهما في شؤون الآخر ([193]) لأن العناصر الغيبية في الوحي ليست معقولة. ([194])

ويبدو أنه بقدر ما أصبح للرشديين من سلطان على العقول أخذت هذه الفكرة تتمدد في الأوساط الثقافية فظهر من هؤلاء يونبوناتزي 1462 – 1525م وهو من أشهر أساتذة بادوفا في ذلك العصر، وكانت جامعتها رشدية خالصة وقد تبنى هذا فكرة الحقيقة المزدوجة فأصدر كتاباً أنكر فيه خلود النفس، ثم أعلن خضوعه لتعاليم الدين في الخلود، وكاد أن يُعدم حرقاً ولكنه نجا بحماية أحد الكرادلة له ([195]).

ويؤكد يونبوناتزي أن الجمهور الذي يفعل الخير طلباً للثواب الأخروي والنعيم، ويتجنب الشر هرباً من الجحيم لا يزال في طور الطفولة، وبذلك فهو بحاجة إلى الوعد والوعيد، وأما الفيلسوف فيصدر عن المبادئ والبراهين فقط، إن المشرعين بنظره هم الذين ابتكروا الخلود لا عناية منهم بالحقيقة، بل حرصاً على الخير العام، ومن هنا لا يمكن بنظره التوفيق بين العناية الإلهية والحرية الإنسانية، فالأولى ثابتة بالإيمان، والثانية ثابتة بالتجربة ([196]).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير