تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ظهر بعد ذلك فرنسيس بيكون 1561 – 1626 كمحام عن نظرية الحقيقة المزدوجة وهي تعني عنده أن ما يثبت بالعقل لا علاقة للإيمان به، الإيمان طريق الوحي، والعلم طريق العقل. ([197]) وعلى ذلك فالكتاب المقدس شيء، وكتاب الطبيعة شيء آخر ([198])، والدراسة الفلسفية عنده لا تساند أي استدلال على وجود الله [عز وجل] أو العناية الإلهية، وكل ما يمكن أن نصل إليه من دراسة كتاب الطبيعة هو إثبات وجود إله قادر وحكيم ([199]).

ولذلك أوصى بيكون في تقرير رفعه إلى الملك جيمس الأول لإصلاح التعليم أن تتم المحافظة على هوة عميقة بين العلوم الطبيعية من ناحية، وبين الدين واللاهوت المقدس من ناحية أخرى، ذلك أن الانسجام الاجتماعي والتكامل العلمي يتطلبان بنظره فصلاً صارماً بين هذين الجانبين، فالفيلسوف الذي ينغمس في اللاهوت يخلق مذهباً خرافياً جامحاً، في حين أن اللاهوتي الذي يهتم اهتماماً بالغاً بالفروق الفلسفية والكشوف العلمية ينتهي إلى الزندقة، والمسلك الوحيد المنقذ - بنظره - هو إقامة ثنائية حادة بين العلوم الطبيعية والوحي الإلهي ([200]).

ولم يكن غاليلو 1564 – 1642م المعاصر لبيكون بعيداً عن هذه النظرية فقد كان يستشهد بالكاردينال بارونيوس عندما قال: "" غاية الروح القدس أن يعلمنا كيف نذهب إلى السماء، لا كيف تسير السماوات "". ([201]) وكتب لصديق له: "" أعتقد أنه يجب أن لا نبتدئ في مناقشة المسائل الطبية بالاستشهاد بأقوال من الكتب المقدسة، ولكن بالتجارب الحسية والبراهين الضرورية "" ([202]).

أما سبينوزا 1632 – 1677 م فقد استمات في الدفاع عن الحقيقة المزدوجة ليجد لنفسه منفذاً يقول من خلاله ما يشاء دون أن يخشى بطش اليهود فهو يرفض أن يكون العقل خادماً للكتاب، كما يرفض أن يكون بينهما أي تناقض لأن لكل ميدانه الخاص ويمكنهما أن يعيشا في وئام ([203]) "" فاللاهوت ليس خادماً للعقل، والعقل ليس خادماً للاهوت، بل لكلٍ مملكته الخاصة، للعقل مملكة الحقيقة والحكمة، وللاهوت مملكة التقوى والخضوع "" ([204]) فإذا وجد تناقض في الكتاب مع العقل فلا خوف لأنه ليس في مملكة العقل، ويستطيع عندئذ كل فرد أن يفكر كما يشاء دون أي خوف ([205]) ويمكننا أن نبرر قبولنا للعقائد الموحى بها عن طريق اليقين الأخلاقي فقط ولا نملك أكثر من ذلك ([206]).

2 – فلسفة التنوير:

ويعد القرن الثامن عشر لدى غالبية المؤرخين هو القرن الذي شاعت فيه هذه الفلسفة ومن أبرز هؤلاء التنويريين فولتير 1694 – 1778 م وجان جاك روسو 1712 – 1778م وكانط 1724 - 1804 م ودينس ديدرو 1713 – 1784 م وهولباخ أو دولباك 1723 – 1789م ودي لامتري 1709 – 1751م ومونتسكيو 1689 – 1755 م وغيرهم وقد كان الاتجاه العام لفلسفة التنوير يقوم على اعتبار الأديان ظواهر تاريخية وضعية خضعت للتطوير والتحوير بحسب تنامي الوعي الإنساني وتطور العقل البشري، ولم تكن فلسفة التنوير ناجمة عن فراغ أو طفرة بل كانت امتداداً للتيارات الرشدية والنهضوية التي بدأت تتفاقم في أوربا منذ القرن الخامس عشر فقد رأى توماس هوبز 1588 – 1679 م أن جوهر الدين لا يقوم على الحقائق، وإنما على خوف الفرد من القوة المجهولة أو الخوف من الموت، وما الصفات التي نخلعها على الإله إلا أسماء تعبر عن عجزنا عن معرفته، وعن رغبتنا في وصفه بعبارات تمجيدية من شأنها إرضاء قوة مجهولة ([207]). هذا الرأي الذي يزعمه هوبز لا يختلف عما نادى به قبله بأكثر من ألفي سنة الفيلسوف اليوناني ديمقريطس 470 – 361 ق. م كما أنه يتبنى رأيه في فناء كل شيء إلا الذوات والفراغ ([208]).

ومن هؤلاء أيضاً جون لوك 1632 – 1704 م الذي لم يستطع أن يجاهر بعدائه للمسيحية، ولم يخف على المقربين منه ازدراءه لها فقد كتب لصديقه " ليبنتز " أنت وأنا لدينا الكفاية من هذا العبث " يقصد الميتافيزيقا ([209]) وقال أيضاً: " لم تبق حاجة أو نفع للوحي، طالما أن الله أعطانا وسائل طبعية أكثر يقيناً لنتوصل بها إلى المعرفة " ([210]). والخير والشر عنده كما هما عند هوبز وأبيقور مرتبطان باللذة والألم، فالخير ما يجلب اللذة، والشر ما يجلب الألم ([211]). ودعا إلى الفصل بين الدولة والكنيسة، وأصدر كتابين أحدهما " لا ضرورة لمفسر معصوم للكتب المقدسة "

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير