تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وفي العهد الجديد فإن كتابات الحواريين حتى وإن افترضنا أنهم أنبياء فإنهم لم يكتبوا لنا باعتبارهم كذلك، ولا كتبوا لنا كتاباتهم على أنها وحي أو بتفويض إلهي، وإنما كتبوا لنا كتاباتهم على أنها مجرد أحكام شخصية وذاتية لمؤلفيها وروايات تحكي قصة السيد المسيح عليه السلام ([247]).

ويعتبرتشارلز بلاونت 1654 – 1693م أول تأليهي إنكليزي ينتقد الكتاب المقدس، ويتشكك في كونه كتاباً منزلاً، نشر بلاونت أول عمل له سنة 1679م أشار فيه إلى أن الأنبياء والكهنة جماعة من المحتالين والجشعين اخترعوا الجنة والنار ليحكموا سيطرتهم على العباد ([248]). ونشر سنة 1693م كتابه " عرافات العقل " رفض فيه معجزات الكتاب المقدس، وأحاديثه عن الخليقة، ونهاية العالم أو بداية الخلق، وسخر فيه من قصة حواء، وقصة متوشالح الذي يقول الكتاب المقدس عنه إنه عمّر أكثر من تسعمائة سنة وقصة إيقاف يوشع لحركة الشمس، وفكرة الخطيئة الأولى، كما اعتبر أنه من السخف أن نصدق أن كوكبنا الصغير في هذا الكون الفسيح العريض هو المركز ([249]).

وفي سنة 1753م ظهر في بروكسل كتاب بالفرنسية مجهول المؤلف يحمل العنوان التالي: " خواطر حول المذكرات الأصلية التي يبدو أن موسى استخدمها في تأليف سفر التكوين " ([250])، كان مؤلف هذا الكتاب هو الطبيب الفرنسي جان أستروك أراد أن يثبت أنه إذا كان موسى هو الكاتب للتوراة – وهو ما يخالفه فيه أكثر النقاد في عصره – فإنه لم يكن شاهد عيان لكل قصصه ورواياته طالما أن موسى عاش زمن الوجود العبري في مصر ولم يكن معاصراً لعصور الآباء وما قبلها، وإذا كان الأمر كذلك، فكيف كتب موسى أقواله بشأن خلق العالم والطوفان وتاريخ الآباء حتى عصره، أي كل ما ورد في سفر التكوين، لذلك لا بد أنه كانت أمام موسى عليه السلام مصادر قديمة استمد منها آراءه وأقحمها داخل سفره ([251]).

وبتحليله للنصوص استطاع أستروك أن يعزل في الكتاب المقدس بين روايتين إحداهما تتحدث عن الله [عز وجل] باسم " ألوهيم " و أخرى تتحدث عنه باسم " يهوه " ([252])، وهاتان الروايتان مختلفتان، وكل واحدة منهما تمثل رواية كاملة بذاتها، فهي نتاج زمان ومكان مختلفين ([253])، ومن هنا قال ديورانت: "" إن العلماء مجمعون على أن أقدم ما كتب من أسفار التوراة هما القصتان المتشابهتان المنفصلة كلتاهما عن الأخرى في سفر التكوين فتتحدث إحداهما عن الخالق باسم " يهوا " على حين تتحدث الأخرى عنه باسم " إلوهيم " ولذلك يعتقد العلماء أن القصص الخاصة ب " يهوا " كتبت في يهوذا، وأن القصص الخاصة بـ " إلوهيم " كتبت في أفرائيم " السامرة " وأن هذه وتلك قد امتزجتا في قصة واحدة بعد سقوط السامرة، وفي هذه الشرائع عنصر ثالث يعرف بالتثنية أكبر الظن أن كاتبه أو كُتَّابه غير كتاب الأسفار السالفة الذكر، وثمة عنصر رابع يتألف من فصول أضافها الكهنة فيما بعد، والرأي الغالب أن هذه الأجزاء الأربعة قد اتخذت صورتها الحاضرة حوالي سنة 300 ق. م "". ويضيف ديورانت: "" كيف كتبت هذه الأسفار؟ ومتى كتبت؟ ذلك سؤال بريء لا ضير منه؟ ولكنه سؤال كُتب فيه خمسون ألف مجلد، ويجب أن نفرغ منه هنا في فقرة واحدة، نتركه بعدها من غير جواب "" ([254]).

وترجع أهمية دراسة أستروك إلى أنه أول من اكتشف المنهج السليم لمعرفة مصادر السجلات القديمة عن طريق تحليل سماتها الأسلوبية، ولهذا السبب وحده يطلق عليه الناقد الأول للكتاب المقدس ([255]).

بيد أن أبرز الاتجاهات النقدية للكتاب المقدس قد جاء عبر المدرسة التاريخية الألمانية متمثلاً بجهود كل من فلهاوزن وجراف وأتباعهم ([256]) فيما سمي بـ " النقد العالي " وقد اتجه هذا النقد إلى الحفر في داخل الكتاب المقدس، والمقارنة بين النصوص، والبحث عن المصادر التي تشكل منها، والأزمنة والأمكنة التي كتبت فيها الأسفار، والتداخلات النصية التي يمكن الكشف عنها ([257]).

وقد توصلت هذه الدراسات بعد بحوث مضنية، وجهود شاقة، وموازنات دقيقة إلى نتائج أجهضت قداسة الكتاب، وأسقطت عنه الهالة الميتافيزيقة التي كانت حافة به إذ أصبحت الفكرة السائدة هي أن الكتاب المقدس رواية اختلطت فيها الحقائق بالأساطير المعبرة عن حياة الشعب الإسرائيلي وثقافته وتطوره ومعاناته ([258]).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير