وتفككاً.
أسباب الخلط (سوء فهم، وسوء نية)
هل نستطيع أن نرجع هذا الخلط الذي يقع فيه هؤلاء الأعاجم في دراسة القرآن إلى أسباب صحيحة؟ في هذا المجال نتذكر قول الأستاذ العقاد الذي يعد تشخيصاً دقيقاً لموقف المستشرقين وأسبابه، يقول: إنهم "جمعوا سوء الفهم وسوء النية". (27):
1 - أما سوء النية: فذلك ثابت مقرر في تاريخهم سياسياً وفكرياً، وحسبنا أن نطالع أي كتاب لأحدهم مثل درمنغم أو كارلايل مثلاً لنعرف صدق هذا القول.
2 - وأما سوء الفهم: فالمطالع لدراستهم عامة يلاحظ من ذلك ما يضحكه - وشر البلية ما يضحك -، وليس هذا مستغرباً من قوم أعاجم لا يفقهون سر العربية وذوقها وإن عرفوا ترجمتها ومعانيها، فلو رأينا اليوم مستشرقاً يترجم كلمة " التضحية " "بأنها عبادة الشمس" لأنها (مشتقة من الضحى). وكلمة (أخذ) أنها تأتي بمعني (نام) لقوله تعالى:
? لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نوْمٌ ? (28)
لو رأينا ذلك ألا يكون ذلك حرياً بأن يدفعنا إلى ضرب الصفح عن دراستهم للغة، وبخاصة في القرآن الكريم؟
مناقشة مزاعم زهير:
ولنلق نظرة علي الأعمدة الثلاثة التي بني عليها المستشرقون متمثلين في جولد زيهر " افتراءهم علي القرآن ":
1 - ظن جولد تسيهر: أن المنتظر من النص الإلهي " أن يأتي في قالب موحد " وهذا تحكم لا وجه له، كما عبر الأستاذ النجار (29) رحمه الله تعالى.
نعم. كان هو ينتظر ذلك، ولو جاء في قالب موحد لقال: كان المنتظر من نص إلهي أن يأتي بصور مختلفة حتى ييسر علي الأمة فهمه وتلاوته!
ما أشبه ذلك بصنيع أسلافه اليهود! إذ ظلوا ينتظرون النبي الأمي المكتوب عندهم في التوراة ? فَلَمَّا جَاءَهُم مَّا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ ? (البقرة/89)
? إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكاً نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ القِتَالُ أَلاَّ تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ القِتَالُ تَوَلَّوْا إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ? (البقرة/246)
وقد جاء العهد الجديد يحتوي أربع صور لما ظنوه الإنجيل بين كل منها وأخيه من الخلاف ما يملأ السماوات و الأرض، وقد عبر عن ذلك الدكتور (فريدريك جرانت) في كتابه (الأناجيل أصلها وتطورها) بقوله (30):
" إن العهد الجديد كتاب غير متجانس، ذلك أنه شتات مجمع، فهو يمثل وجهات نظر مختلفة ".
هل هذه، أو قريب منها صورة القرآن الكريم؟
حاش لله، فقد التأمت ألفاظ القرآن وأساليبه ومسائله الدقيقة فلا تجد فيه عوجاً ولا أمتا، وبون شاسع بين اختلاف نطق الألفاظ بغية التيسير، وبين اختلاف النص و الحكم والقصة والنبوءة و العقيدة من (إنجيل) (لإنجيل)
2 - زعمه أن تعدد القراءات راجع إلى خصوصية الخط العربي، بحيث يمكن قراءة الصورة الكتابية بصور صوتية مختلفة.
وهذا زعم يرده أقل البصر بكتاب الله تعالى، أو أقل النظر في قراءاته المتعددة. وقد سبقنا إلى الرد علي هذه الجزئية دارسون فضلاء، أشير منهم إلى ثلاثة هم:
أ- الدكتور عبد الحليم النجار، وذلك في تعليقاته الدقيقة علي كتاب"جولد زيهر" التي جعلها هوامش علي ترجمته له، (وقد طبعت الترجمة والتعليقات سنة 1374 هـ -1955م، بمطبعة السنة المحمدية، ونشرها الخانجي بمصر، ومكتبة المثنى ببغداد).
ب- الدكتور عبد الفتاح إسماعيل شلبي، في كتابه القيم (رسم المصحف والاحتجاج به في القراءات) (وقد نشرته مكتبة نهضة مصر بالفجالة سنة 1380هـ-1960م)
ت- فضيلة الشيخ عبد الفتاح القاضي في كتابه (القراءات في نظر المستشرقين والملحدين) (وقد نشره مجمع البحوث الإسلامية سنة1392 هـ-1970م)
والملاحظ أن عنوان هذا الكتاب قد كتب له الرواج وكثرة الانتفاع به لغلبة اللون الإعلامي عليه إلى جانب أنه دراسة موفقة لم تقتصر علي الإفادة الكثيرة من دراسة الأستاذين النجار وشلبي، بل زادت عليهما عدة ملاحظات.
ونحن نلخص ما أورده الثلاثة - حسب الإمكان - مضيفين إليه ما يؤكده، مشاركين في إدحاض هذه الفرية العظيمة:
¥