3 - أن أهل العربية من القراء الكبار لم يجرؤوا أن يختاروا القراءة التي لم تثبت عندهم في النقل، بل استمسكوا بالنقل، وهذا أبو عمرو بن العلاء شيخ البصريين، وهو أحد السبعة يقول: " لولا أن ليس لي أن أقرأ إلا بما قرئ لقرأت كذا و كذا "، وهذا إمام الكوفيين (حمزه الزيات) وهو أحد السبعة أيضاً، يقول عن سفيان الثوري: " هذا ما قرأ حرفاً من كتاب الله إلا بأثر " (1).
4 - تحري القراء بعد كتابة المصاحف للضبط التام في التلقي من الشيوخ، وعدم الاعتماد علي المصحف، ومن ثم قالوا: " لا تأخذوا القرآن من مصحفي"، (2) وقد مر بنا كم شنعوا بحماد الراوية " لأنه كان يعتمد علي المصحف، فكان يصحف نيفاً وثلاثين حرفاً"، وهذه المتابعة الدقيقة للمصحفين وإحصاء تصحيفاتهم تدل دلالة قاطعة علي أن (زيهر) وشيعته كانوا أكذب الكذابين حين ظنوا أن السلف الصالح قد غيروا بعض القراءات بناء علي ما سماه "ملاحظات موضوعية أو خلافات فقهية " وهي الفرية الثالثة التي افتراها علي القرآن.
وأن هؤلاء الحفاظ لم ينظروا في المصحف إلا للعرض أحياناً علي شيوخهم، وأن القرآن أخذ من الصدور، وجاءت السطور تأكيداً له
? بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم ? (العنكبوت/49).
أسانيد القراءات ورواتها:
وأسانيد هذه القراءات تلقياً وسماعاً وعرضاً موجودة في كتب القراءات وهذان مثالان للكتب التي استوعبت هذه الطرق:
أحدهما: كتاب (السبعة) لابن مجاهد (ت 324)، وقد حققه د. شوقي ضيف ونشرته دار المعارف بمصر وهو من أقدم كتب القراءات.
والثاني: كتاب (لطائف الإشارات في فنون القراءات) للقسطلاني ()، وقد حققه الشيخ عامر السيد عثمان والدكتور عبد الصبور شاهين، ونشره المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية سنة 1392 هـ-1972 م، (ويبدو أنه لم ينشر منه حتى الآن إلا الجزء الأول منه، كما تدل عليه آخر قائمة للمطبوعات في ربيع الأول 1403).
وهذه أسانيد لإمامين من أئمة القراءات، نسوقها علي سبيل المثال، لنري ونوقن، ونجزم ونشهد أنهم لم ينظروا في مصحف بغية التعلم، وأن إسنادهم متصل بالتلقي والمشافهة إلى النبي صلى الله عليه و سلم:
أ - الإمام نافع: (شيخ المدينة ت 169هـ):
كان فصيحاً عالماً بالقراءات ووجوهها، قال مالك: " قراءة نافع سنة " (3)
ومن أسانيده: (4)
1 - عبد الرحمن بن هرمز الأعرج عن أبي هريرة وابن عباس عن النبي صلى الله عليه و سلم. وقد عد الأستاذ أحمد شاكر- نقلاً عن البخاري - طريق عبد الرحمن بن هرمز الأعرج أصح الطرق عن أبي هريرة وكلنا يعرف من أبو هريرة. (5)
2 - أبو جعفر يزيد بن القعقاع عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم. ويكفينا عن أبي جعفر قول ابن مجاهد:"كان لا يتقدمه أحد في القراءة" (6).
3 - يزيد بن رومان عن عبد الله بن عباس عن أبي ابن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم. ويزيد بن رومان حافظ ثقة قارئ من فقهاء أهل المدينة.
أدرك نافع هؤلاء وغيرهم، بل لقد أدرك، وقرأ علي " سبعين من التابعين ". (7) قال: " فنظرت إلى ما اجتمع عليه اثنان منهم فأخذته، وما شذ فيه واحد تركته " (8)
وهو منهج جيد يعتمد علي النقل والتثبت والتحري، وشتان بين ذلك وبين مزاعم الكاذبين. ومن ثم كانت قراءته محط ثقة الناس، يقول الإمام أبو إسحاق السبيعي" قراءة نافع قراءتنا، وذلك أنه كفانا المئونة، مما لو أدركنا من أدرك ما عدونا ما فعل (9).
ب - حمزة بن حبيب الزيات: (مام أهل الكوفة - ت 156هـ):
وقد أطبق الناس علي توثقيه، وتحملوا إليه ليتعلموا عليه، قال عنه الذهبي: (10) " وكان إماماً حجة قيماً بكتاب الله تعالى، حافظاً للحديث، بصيراً بالفرائض والعربية عابداً، خاشعاً قانتاً لله، ثخين الورع عديم النظير"
(11) وكان حمزة"متبعاً لآثار من أدرك من الأئمة" (12).
من أسانيده
1 - الأعمش، عن يحيى بن وثاب، عن زر بن حبيش وأصحاب ابن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم. وهي سلسلة - علم الله - من الثقات الصالحين.
ويبدو أنه أخذ القراءة عن الأعمش سماعاً منه لا عرضاً كما أنه سأله عن الحروف حرفاً حرفاً. كما يذكر هو. (13)
2 - جعفر بن محمد الصادق، عن آبائه، عن علي، عن النبي صلى الله عليه و سلم وهذا - بحق الله تعالى - من أجود الأسانيد.
توثيق الأئمة لأصحاب القراءات:
¥