3 - أن يختلفا جمعياً- أي اللفظ والمعني- مع جواز اجتماعهما في شئ واحد، وإنما يتفقان من وجه آخر لا يقتضي التضاد، مثل: (وظنوا أنهم قد كذبوا) و (قد كذبوا) - بالتخفيف والتشديد مع الكسر في الذال -، ووجه التخفيف: أي وتوهم المرسل إليهم أن الرسل قد كذبوهم فيما أمروهم به، " فالظن في الأولى يقين، والضمائر الثلاثة للرسل، وفي الثانية شك والضمائر الثلاثة للمرسل إليهم " (39).
ويمثل ابن قتيبة وابن الجزري المذهب الذي يقوم علي الاستقراء المستقصي لقراءات القرآن ومحاولة استيعاب كافة الخلافات وتصنيفها، يرجع ابن قتيبة في (مشكل القرآن) وجوه الخلاف بين القراءات إلى سبعة أشياء:
1 - تغير إعراب اللفظ بما لا يغير معناه أو صورته: مثل (و لا يضار كاتب و لا شهيد) سواء كان بضم الراء وفتحها.
2 - تغير إعرابه بما يغير معناه دون صورته: مثل (باعد بين أسفارنا) بكسر العين، و (باعد) بفتح العين والدال فلفظة (باعد) في الأولى فعل أمر، وفي الثانية فعل ماض.
3 - تغير حروف اللفظة دون إعرابها بما يغير المعني لا الصورة: مثل: (ننشزها)
(ننشرها) بالزاى والراء.
4 - تغير حروف اللفظة بما يغير الصورة لا المعني: مثل: (كالعهن المنقوش) كالصوف المنقوش في قراءة ابن مسعود وابن جبير رضي الله عنهما.
5 - تغير حروف اللفظة بما يغير الصورة و المعني مثل: (وطلح منضود) قرأ علي: "وطلع منضود".
6 - التغير بالتقديم و التأخير: مثل: (وجاءت سكرة الموت بالحق) وقرأ أبو بكر الصديق "وجاءت سكرة الحق بالموت".
7 - التغير بالزيادة والنقصان:مثل (والليل إذا يغشى، والنهار إذا تجلى، وما خلق الذكر والأنثى) قرأ عبد الله وأبو الدرداء: " و الذكر والأنثى " بكسر الراء وحذف (ما خلق) فهذا النقصان، أما الزيادة فمثل قوله تعالى (وأنذر عشيرتك الأقربين) زاد ابن عباس في قراءة له: "ورهطك منهم المخلصين " (40).
وهناك محاولة جادة أخرى يقدمها الإمام ابن الجزري بقوله: " تتبعت القراءات صحيحها و شاذها وضعيفها ومنكرها، فإذا هو يرجع اختلافها إلى سبعة أوجه من الاختلاف لا يخرج عنها، و المتأمل لهذه الأوجه السبعة التي ذكرها صاحب (النشر) لا يجد بينها و بين كلام ابن قتيبة كبير خلاف غير التغيرات و الأمثلة. (41)
بين الأحرف و القراءات:
وأيا ما كان القول في تفسير هذه الأحرف السبعة، فإنه ينبغي التنيه علي أمرين:
الأول: أن الأحرف السبعة مفهوم يختلف عما عرف بالقراءات السبعة وليست كل قراءة من هذه القراءات التي عرفت بالقراءات السبعة وجهاً أو حرفاً بعينه من هذه الأحرف فالأحرف هي الأوجه المتعددة التي نزل بها القرآن ولم يكن المقصود به طريقة فلان أو فلان في القراءة، علي نحو ما بينا آنفاً ومصطلح القراءات السبعة مصطلح متأخر وجدناه عند أبي بكر بن مجاهد، حين تعددت قراءات النص القرآني، فرأى ابن مجاهد اختيار سبعة طرق للقراءة، وحمل الناس عليها وترك خلافها، ولم يدَّعِ ابن مجاهد أن هذه هي الأحرف السبعة المقصودة بالحديث، ولا أنها الصواب دون غيرها (42).
ويدلنا علي ذلك أيضاً أن غيره اختار عشرة قراء، وأحب للناس محاكاتهم، وهناك من اختار أربعة عشر إماماً من القراء. وفي هذا ما يدفع توهماً توهمته العامة.
الثاني: أن هذه الأوجه المتعددة ينبغي أن تفهم علي أنها نوع من التيسير المتعلق بلغات القبائل ساقه الله للأمة، كما يقول الإمام ابن قتيبة: (43)
"فالهذلي يقرأ (تعلمون)، (تسود وجوه) بكسر التاء، والتميمي يهمز، والقرشي لا يهمز، ولو أن كل فريق من هؤلاء أمر أن يزول عن لغته وما جرى عليه اعتياده طفلاً وناشئاً وكهلاً لاشتد عليه ذلك وعظمت المحنة فيه، فأراد الله - برحمته ولطفه - أن يجعل لهم متسعاً في اللغات ".
أنواع القراءات:
هذه الأوجه المختلفة في القراءات - التي يسر الله بها علي الأمة - لم تنقل عن النبي صلى الله عليه و سلم وصحابته بدرجة واحدة من درجات الإسناد؛ فقد نقل بعضها بطريق التواتر، وبعضها برواية الآحاد، وروي بعضها بأسانيد قوية، والآخر بأسانيد ضعفية أو واهية، شأنها في ذلك شأن كافة المرويات ومن ثمة قسمت القراءات إلى متواترة وآحاد، ثم إلى صحيحة أو ضعفية أو شاذة.
¥