فالمتواترة: هي التي نقلها الكافة عن الكافة، يعني نقلها جماعة من الثقات لا يتيسر عادة تواطؤهم علي الكذب عن مثلهم، حتى رسول الله صلى الله عليه و سلم، وهي أوثق أنواع القراءات.
وقراءة الآحاد: هي التي رويت عن طريق الثقات الضابطين ولكن نقلها عدد أقل من حد التواتر وهي قراءات صحيحة، وإن كانت أدني من سابقتها و الاختلاف في حد الآحاد و التواتر قديم مشهور بين أصحاب الفن، يرجع فيه إلى دراساتهم و ترجيحاتهم، والأهم من ذلك هنا هو مناقشة مصطلح القراءة الشاذة، والضعيفة و الصحيحة، ومدى صحة الاحتجاج بذلك شرعاً ولغة.
حجية القراءات:
وقد ذكر بعض العلماء شروطاً للقراءة الصحيحة المقبولة وهي:
1 - أن تنقل بطريق التواتر.
2 - وتوافق رسم أحد المصاحف العثمانية.
3 - أن توافق اللغة العربية.
قالوا: " و ما لم يجتمع فيه ذلك فهو شاذ "، بل لقد نقل بعضهم الإجماع علي ذلك وتشدد له (44)، ولا نظن ادعاء الإجماع علي ذلك إلا ضرباً من الخيال، فقد قرر الحافظ أبو عمرو ابن الصلاح وقبله أبو إسحاق الشيرازي الخلاف فيه، ونقل ابن تيمية مثل ذلك عن جماعة من السلف لا بأس بهم يمكن مراجعة أسمائهم في النشر أو لطائف الإشارات (45). والحقيقة أن هذه الشروط تحرم طائفة مباركة من القراءات دخول نطاق الاحتجاج، الأمر الذي يخشى ما وراءه من حجب لبعض الوحي عن الأمة وتحريم بعض ما أنزل الله هدى ونوراً. ثم ها هو الإمام الجليل ابن الجزري صاحب التصانيف يقرر ميزاناً آخر للقراءة الصحيحة المقبولة، وهو:
1 - كل قراءة وافقت العربية ولو بوجه.
2 - ووافقت أحد المصاحف العثمانية و لو احتمالاً.
3 - وصح سندها.
" فهي القراءة الصحيحة التي لا يجوز ردها، و لا يحل إنكارها، بل هي من الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن ووجب علي الناس قبولها، سواء أكانت عن الأئمة السبعة أو عن العشرة أو عن غيرهم من الأئمة المقبولين " (46).
القراءات الشاذة والقراءات الضعيفة:
فأين تقع القراءة الشاذة من ذلك؟
نبه ابن الجزري إلى أن القراءة الشاذة هي التي تخلف عنها شرط موافقة المصحف بمعني أنها " القراءة التي صح سندها ووافقت العربية ولكنها لم توافق رسم المصحف "، وحصر مخالفتها لرسم المصحف في أربعة أشياء:
1 - الزيادة: مثل قراءة ابن مسعود: " فصيام ثلاثة أيام متواليات ".
2 - النقص: مثل قراءة أبي الدرداء: " والذكر والأنثى ".
3 - التقديم والتأخير: مثل قراءة أبي بكر: " وجاءت سكرة الحق بالموت ".
4 - إبدال كلمة مكان أخري: مثل قراءة ابن مسعود: " كالصوف المنقوش ".
واختار ذلك القسطلاني (47)
ويلاحظ على هذا التعريف أمور:
1 - أنه يقوم علي وعي بأن القراءة الشاذة قسم من الصحيح من حيث الإسناد وأنها شذت عن رسم المصحف العثماني، والثابت أن بعض الصحابة ظلوا متمسكين بقراءات سمعوها من فم النبي صلى الله عليه وسلم رغم مخالفتها مصحف عثمان، كقراءة أبي الدرداء السابقة.
2 - أنه تعريف يخالف مفهوم بعض أهل العلم، كالغزالي وصدر الشريعة الذي يذهب إلى أن الشاذ هو ما لم يتواتر لفظه، وهو مفهوم ناقشناه من قبل.
3 - أن مفهوم ابن الجزري للقراءة يفرق بين الشاذة و الضعيفة، فلا خلاف عندهم أن القراءة التي افتقدت شرط صحة الإسناد هي قراءة مردودة، لا يشفع لها رسم المصحف و لا موافقة العربية.
بعض قراء الشواذ المشهورين:
ونلقي الآن إطلالة علي بعض قراء الشواذ المشهورين، والله المستعان:
1 - الحسن البصري: هو من هو: أشهر من أن يعرف، التابعي الثقة الورع الطيب،" إمام زمانه علماً وعملاً " (48)، وهو من رجال الصحيحين (49)، قال عنه ابن سعد:" كان جامعاً عالماً رفيعاً حجة مأموناً عابداً ناسكاً كثير العلم فصيحاً جميلاً وسيماً" (50)، وقال عن العجلي:" تابعي ثقة، رجل صالح، صاحب سنة " (51) وقد لقي الحسن- رحمه الله- من الصحابة عمر بن الخطاب و أبا موسى الأشعري وأبا العالية وأبي بن كعب وزيد ابن ثابت وقرأ عليهم جميعاً. (52) وهو شيخ أبي عمرو بن العلاء-أحد القراء السبعة- (53)، قال عنه الشافعي: لو أشاء أقول: إن القرآن نزل بلغة الحسن. وقد كثرت مناقبه حتى صنف فيها ابن الجوزي جزءاً (54).
¥