آثرنا أن نستعرض بقية فقرات الفصل على نسق ثلاثيات كما عرضنا افتتاحيته على شكل ثنائيات .... والقصد من ذلك الحصر والاختزال البداغوجي فقط ولا أدعي تفكيك عقل الدكتور طه وإعادة تنظيمه وفق متواليات حسابية أو هندسيةَ!!
1 - استكشاف/استنزاف/استشراف.
(مع الاعتذار لأخي الدكتور الطعان ... فالمصطلحات أعلاه من وضعي لا من وضع الدكتور طه .. أهي العدوى؟)
لقد قسم الدكتور معالجته إلى مراحل ثلاث:
-استكشاف القراءات الحداثية وضبط آلياتها والوشاية بأهدافها ....
-استنزافها من الداخل أو قل نقدها وتفكيكها وتقويمها انطلاقا من مرجعيتها نفسها وهي الحداثة.
-ازاحة هذه القراءات بعد استنزافها واستشراف بديل يسميه طه القراءة الحداثية المبدعة.
مرحلة الاستكشاف:
حاول الدكتور طه أن يكشف عن خطط واستراتيجيات القراءات الحداثية حسب اصطلاحه .... وتوظيف المصطلحين خطة/ استراتيجية المنتميتين إلى الحقل المعجمي العسكري ليس اعتباطا -فالمؤلف معروف بدقة المصطلح واختيار الكلمة ونظريته في الترجمة وتطبيقاته عليها معروفة ولا تكاد مؤلفاته الأخيرة تخلو من الإيماء إليها-
فكأن طه يعلن أن هؤلاء ليسوا قراء ولكنهم محاربون ...... وخططتهم الحربية مختزلة في ثلاث استراتيجيات ..... تعبر عنها الثلاثية الثانية:
2 - خطة التأنيس/خطة التعقيل/خطة التأريخ.
(المصطلحات هذه المرة للمصنف)
وقبل أن نبين فحوى كل خطة،نشير إلى أن الخطة -كما في علم النفس السلوكي- تتكون من عناصر ثلاث:
-هدف يرمي إليه السالك ..... مثاله: القرد الذي يستهدف الموز المعلق فوقه.
-التصميم الذهني والخطاطة العقلية المتصورة للوصول إلى الهدف مثاله ما يقدره القرد
في نفسه للوصول إلى الموز عندما يقتنع أن القفز لا ينفع.
-العمليات الحركية التي ينفذ بها تصميمه السابق مثاله: جذب العصا من خارج القفص وزحزحة الصندوق الخشبي والارتقاء عليه وإسقاط الموز بالعصا ....
هذه المراحل الثلاث يعبر عنها الدكتور طه بثلاثيته الثالثة:
3 - الهدف النقدي/الآلية التنسيقية/العمليات المنهجية.
الهدف النقدي يتلخص دوما في "إزالة العائق الاعتقادي" و هو القاسم المشترك النوعي بين كل الخطط ... ولا يكون التميز إلا باعتبار شخص ذلك العائق.
معنى هذا أن الدكتور يعدنا بتسع فقرات: كل خطة من الخطط الثلاث مضروبة في أضلاعها الثلاث فتلكم تسعة كاملة.
خطة التأنيس:
يسميها أيضا الأنسنة ..... ولو سماها- في نظري- التدنيس لما أبعد النجعة.
1 - الهدف: رفع العائق الاعتقادي الذي هو القدسية ...
2 - الآليات: نقل الآيات من الوضع الإلهي إلى الوضع البشري .... بمعنى التعامل مع القرآن إما باعتباره منتوجا بشريا-على أسوء الفروض- أو كمنتوج بشري – على أحسن الفروض-
3 - العمليات: وهي كثيرة نلخصها في ثلاث:
-الحذف والاستبدال اللغويين.
-التسوية بين المختلفين.
-التفرقة بين المتماثلين.
فمن وجوه الحذف ذكر القرآن بدون عبارات التعظيم ...... (ومثله ذكر الله بدون تسبيح أو إجلال و ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم باسمه المجرد: محمد ..... وهلم جرا)
ومن وجوه الاستبدال هجر المصطلحات المعهودة بين المسلمين ..... فمن المعروف أن المؤمنين منذ الزمن الأول ميزوا القرآن الكريم عن كلام البشر واستعملوا-إما توقيفا وإما اجتهادا-مصطلحات خاصة بالقرآن العظيم إمعانا في التنزيه والتقديس ..... فسموا الجلد والورق مصحفا ولا يجوز أن يسمى غيره كذلك وإن كان من تلك المواد ذاتها .... وسموا الجملة آية والسجع فاصلة والوحدة سورة والجزء حزبا .... أما الحداثيون فقد استعملوا المصطلحات التي تقال عن غيره أيهاما بأن المشاركة في الاسم دليل على المشاركة في المسمى .... فقالوا العبارة القرآنية والظاهرة القرآنية ..... والواقعة القرآنية ... وقد نجد عن بعضهم أسلوبا معاكسا لكن الغرض واحد .... فيأخذون مصطلحا خاصا بالقرآن وينقلونه إلى ما هو بشري .... فيتحدثون عن أسباب النزول لقصيدة شاعر .... أو مسرحية ناثر ... أو تشريع مؤسسة ......
التسوية بين المختلفين:
ومن وجوهه تصدير الحداثيين لكتبهم وفصولها بآيات قرآنية مجاورة لعبارات للناس ..... وكان لسان الحداثين هنا هو المثل المعروف قل لي من تعاشر اقل لك من أنت ..... بل وقع في يدي كتاب لسفيه مغربي أذكر أنه صدر كتابه-المدرسي- بقولة لنيتشه ثم قولة لآخر-لم اعد أذكر اسمه-ووضع في أسفل الترتيب جزءا من آية هي: وهم يصطرخون فيها ......
وهي جملة حالية مقتطعة من السياق ليس فيها فائدة يحسن السكوت عليها .... فكأن الخبيث قد مكر بالقرآن مرتين: عندما جعل كلام الملاحدة فوق كلام الله ... وعندما اقتبس من الكفار جملا تامة مفيدة وجاء من القرآن بجملة مبتورة ..... فانظر إلى أخلاق القوم.
ومن أغرب الجمع بين المختلفين صنيع حامد أبو زيد:
قال هذا العبقري: الكلمة تجسدت في عيسى ابن مريم ..... وكلام الله تجسد في القرآن .... إذن يلزم المسلمين إما تأليه المسيح وإما بشرية القرآن فلا يعقل ان يكون المسيح بشرا والقرآن غير بشر و هما شيء واحد ...... لله دره ما أحكم منطقه .... ولست أدري كيف سيقول لو فهمناه أن المسيح تكلم بالانجيل والانجيل كلام الله ..... إذن الشيء يخرج من نفسه ويتقدم عن نفسه ويتأخر عنها في ذات الوقت ويحتوي نفسه .... رحم الله العقاد لقد تذكرت نقده لشوقي وكلامه عن مشية الربيع في الربيع كمشية الأمير في الأمير.
وعكس هذا الهراء هراء آخر هو:
المخالفة بين المتماثلين:
كان يعمد الحداثي إلى القرآن وهو واحد .... فيقسمه بحسب هواه ويخالف بين القسمين في التسمية:فهذا قرآن وذلك كتاب، وهذا قرآن شفوي وذاك قرآن مكتوب ...... ويفرق بين الوحي في اللوح المحفوظ والوحي في اللسان العربي.
للحديث صلة إن شاء الله.
¥