3 - النسبية: حيث يصبح النص قابلاً لكل الأفهام، وليس له معنى محدداً، وإنما يقول كل شيء ولا يقول شيئاً ().
من خلال هذه الخلفية الفلسفية ينطلق الخطاب العلماني يقرأ القرآن الكريم ويطمئننا بأننا يجب أن لا نخشى تطبيق العلوم الإنسانية والاجتماعية الحديثة وخصوصاً علم الأديان المقارن على النص القرآني () ""ومهمة الباحث المسلم أن يمضي في سعيه لأنه لا يخشى على القرآن، ويثق ثقة مطلقة بأنه كتاب مقدس لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه
... ومن هنا لا خشية من أن نطرح القرآن للمناهج الحديثة في الدراسة ... فهي تمكننا من اكتشاف مستويات عميقة في القرآن لم يستطع العلماء اكتشافها "" (). لأن النص يتحدد من خلال سياقه بوصفه خطاباً، وكونه خطاباً إلهياً لا يعني عدم قابليته للتحليل والنقد، لأنه تجسد في اللغة الإنسانية () "" وهو كغيره من النصوص البشرية معرض لأن يموت إذا لم يجد قراءً "" (). فالقرآن نزل للبشر، وبلغة البشر، فيجب أن يفهمه البشر على ضوء قواعدهم اللغوية والنحوية، لماذا يتضايق الناس من ذلك؟! ().
وإذا تعاملنا مع كتاب الله بهذا المنهج – منهج التحليل اللغوي المعاصر – فإننا قد نستخلص ما يتنافى وعقيدتنا فهل نتجاهل ذلك وندفن رؤوسنا في الرمال؟! وهل نخشى على كتاب الله؟! ().
بالطبع نحن لا نخشى على كتاب الله عز وجل، ولا نخشى من العبث به لأنه محفوظ من العبث وإنما نخشى من العبث بالعقول، وتزوير الحقائق، وترويج الأكاذيب.
من خلال الأسس السابقة يفسح الخطاب العلماني المجال لنفسه لكي يصف القرآن الكريم بكل الأوصاف المنحطة، ويتجرأ على اقتحام قداسته، وتجاوز هيمنته وسماويته وتجلى ذلك فيما يلي:
أولاً - أدلجة القرآن:
كما رأينا طرفاً من ذلك في الفقرة السابقة فالقرآن له دوافع خفية دنيوية أهمها تكريس السلطة النبوية، وإضفاء المشروعية على أفعال النبي ?، وإكراه الناس على الخضوع والطاعة، وهو ما يعنيه أركون حين يقول بأن القرآن افتتح الدائرة الأيديولوجية – كما سبق - وهو بنظره موقف الباحث الذي يجب أن يحاكم النص القرآني من خلال الوقائع والأحداث التي جرت وليس من خلال المقاصد والنيات ().
أما المؤمنون فيرون أن القرآن في نزوله عند الأحداث " أسباب النزول " ومتابعته لحركة المجتمع يقصد التثبيت لفؤاد النبي ? كما يقرر القرآن بصراحة، والمؤمنون آمنوا بما صرح به القرآن، أما العلمانيون فقد ذهبوا يفترضون الافتراضات، فالسؤال من هو الذي يبحث عن النوايا والمقاصد؟ ().
من هذا القبيل ما سقناه في مكان سابق عن القمني حين يعتبر القرآن لا يعتد بالحقيقة وإنما باللحظة الراهنة، فيتقرب إلى اليهود ويجاملهم حين يكون المسلمون بحاجة إليهم، ثم يهاجمهم ويُنكِّل بهم حين يقوى المسلمون ويستغنون عنهم وقد بينا هناك كذب القمني وافتراءه من خلال تاريخ نزول الآيات ().
وهو موقف ينتهي منه الخطاب العلماني إلى وصف القرآن الكريم بالتناقض في الموقف من اليهود، وفي الجبر والاختيار، والموقف من المشركين، والهداية والضلال، ويسوق الآيات الكثيرة مستدلاً لهذا التناقض، ويعلل ذلك بأنه إما موقف " أيديولوجي " من القرآن يراعي الأحوال السياسية والتاريخية والظروف الطارئة للدولة الناشئة، وإما أن السبب هو في جمع القرآن، حيث جمع الصحابة الآيات المنسوخة إلى جوار الآيات الناسخة (). هذا الكلام الآنف الذكر في أساسه لجولد زيهر () أخذه عنه سيد القمني ثم تناقله عن القمني كلٌّ من طيب تيزيني () ورشيد الخيون () وغيرهم ().
إنها المنهجية الماركسية التي تقرر أنه ما "" إن تنتصر الثورة الاجتماعية وتتولى الطبقات الصاعدة السلطة السياسية حتى تطرح هذه الطبقة إيديولوجيتها وتبني دولتها وتقيم المؤسسات اللازمة للحفاظ على هيمنتها الطبقية "" (). وهو ما يستدل الخطاب العلماني عليه بموقف القرآن من الشعر حيث يعتبره موقفاً أيديولوجياً، فالقرآن ينفي عن نفسه الشعر "" لأسباب ترتبط بتصور العربي لماهية الشعر من حيث المصدر والوظيفة، وبالمثل أراد أن يدفع عن محمد صفة الشاعرية، لأن وظيفة الشاعر في ذلك المجتمع وظيفة مغايرة للوظيفة التي نسبها النص لمحمد "" ? ().
¥