تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

هذه الرؤية الإنسية التي يؤسس لها الخطاب العلماني هي التي تدفعه إلى أشكال كثيرة من قلة الحياء، وانعدام الأدب مع كتاب الله عز وجل، ونحن بالطبع نخاطبهم من خلال ما يصرحون به وهو كونهم مسلمين، لأنهم عندما لا يكونوا مسلمين فلا معنى لوصفهم بقلة الحياء وقلة الأدب مع القرآن الكريم، ولكن هؤلاء المسلمين يُوصف القرآن الكريم على ألسنتهم بأنه "" يدعو إلى النفور بعرضه غير المنظم ووفرة إيحاءاته الأسطورية ومجموعة كاملة من الرموز التي لم تعد تجد ألبتة دعائم ملموسة في تفكيرنا ومحيطنا "" (). وأما الآيات القرآنية فهي – بنظر الخطاب العلماني - مجرد نصوص متبعثرة متفككة () كما يقرر الغربيون ()، وسورة الكهف مجرد تجاور بين عبارات لغوية ومعنوية متبعثرة () تذهب وتعود للتحدث عن موضوعات عامة لا يمل القرآن من تكرارها ()، وهي مثال "" للتداخليه النصانية "" () التي تؤكد على اللاترتيب واللاعقلاني في آيات القرآن "" إن النص يدهش عقولنا بلا ترتيبه "" ().

هذه التداخلية النصانية أو " التناص " المطعمة بالمادية الجدلية هي التي تجعل نصر حامد أبو زيد يحاول جاهداً أن يشد النص القرآني إلى الواقع والثقافة اللذين كانا سائدين في الجزيرة العربية، فيبحث عن أصول ثقافية واقعية للقرآن الكريم في الشعر والسجع، وذلك لكي يؤكد مقولة رولان بارت: "" النص نسيج من الاقتباسات تنحدر من منابع ثقافية متعددة "" () أي أن النص القرآني بنظر أبو زيد امتداد لأشلاء من نصوص سابقة، أسهمت جميعها في تشكيله وإنتاجه، أليس هو القائل: إن "" النص منتَج ثقافي "" () والقائل: "" لا يمكن في حالة النص القرآني مثلاً تجاهل الحنيفية بوصفها وعياً مضاداً للوعي الديني الوثني الذي كان سائداً ومسيطراً، ومعنى ذلك أن النص يمثل في جزءٍ منه جزءاً من بنية الثقافة "" ().

وكما قال رولان بارت "" كل نص هو تناص، والنصوص الأخرى تتراءى فيه بمستويات متفاوتة وبأشكال ليست عصية على الفهم بطريقة أو بأخرى إذ نتعرف فيها نصوص الثقافة السالفة والحالية، فكل نص ليس إلا نسيجاً من استشهادات سابقة "" () يقرر أبو زيد فيما يخص القرآن الكريم: "" والحقيقة أن النص القرآني منظومة من مجموعة من النصوص التي لا يمكن فهم أي منها إلا من خلال سياقه الخاص، أي بوصفه نصاً، وإذا كان النص القرآني يتشابه في تركيبته مع النص الشعري كما هو واضح من المعلقات الجاهلية مثلاً، فإن الفارق بين القرآن وبين المعلقة من هذه الزاوية المحددة يتمثل في المدى الزمني الذي استغرقه تكوُّن النص القرآني ... هذه التعددية النصية في بنية النص القرآني تُعد في جانب منها نتيجة للسياق الثقافي المنتِج للنص "" (). وبذلك يصبح النص القرآني لوحة تتمازج فيها ألوان مختلفة من النصوص ويشكل القرآن في هذه اللوحة طفرة جدلية متطورة "" فالقافية في الشعر صارت الفاصلة في القرآن،والآية بدل من البيت، والسورة بدل من القصيدة "" ().

وبذلك يكون القرآن الكريم قد فقد جوهره الإيماني ليغدو نصاً ثقافياً بشرياً خاضعاً لقانون الصيرورة الذي تحركه الحكة الجدلية الماركسية، وتؤسسه النظريات الحداثية، وتحتمه المرجعيات العلمانية. وبذلك يتبوأ الخطاب العلماني مراكز السلطة العلمية، والصدارة المعرفية التي طالما حلم بها، بدلاً من المرجعيات الأصولية القديمة.

الخاتمة: والآن في نهاية هذا البحث يمكننا أن نوجز النتائج في العناصر الآتية:

• في الإسلام توجد ثوابت ويقينيات وقطعيات، بينما في الخطاب الععلماني لا يمكن أن تتحقق النهضة إلا على أساس النسبية المطلقة.

• وفي الإسلام قيم ثابتة، وعقائد راسخة لا يمكن أن تكون موضع جدل، بينما في الخطاب العلماني لا بد من انتهاك القيم السائدة والتمرد على العقائد المستقرة من أجل تقدم المعرفة.

• وفي الإسلام يعتبر النص والوحي هو المرجع والمآل والموجه لحركة الحضارة والتاريخ، بينما في الخطاب العلماني لا بد من التحرر من سلطة النصوص والسلف، والتحرر من قال الله وقال الرسول [صلى الله عليه وسلم].

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير