تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ثانياً: بالنسبة لابن لهيعة المصري (96 ـ 174هـ) لو نظرنا في ترجمته وما ورد فيه من الأقوال عند أئمة الجرح والتعديل لوجدنا أيضاً من يعدله والذين عدلوه أقرب لعصره من كثير ممن جرحوه، فأحمد ابن حنبل يقول: (من كان مثل ابن لهيعة بمصر في كثرة حديثه وضبطه وإتقانه)،وعنه أيضاً: (ما كان محدث مصر إلا ابن لهيعة)، وأحمد بن صالح يقول: (كان ابن لهيعة صحيح الكتاب، طلاباً للعلم) [انظرميزان الاعتدال 2/ 477 ط دار الفكر]، والحقيقة أننا لو أردنا أن نطعن برواية ما لراوٍ ما لوجدنا من الطعن لهذا الراوي ما يكون سبباً لرفض روايته وحديثه لو اقتصرنا على هذا الطعن، وكذلك القول عند قبول رواية لراوٍ ما، ولكن المنهج العلمي السليم يتطلب إنصافاً وتجريداً لفكرة سابقة على الحكم على أي حديث، وإني في الأصل العام أحب أن أمشي على رأي جمهور المحدثين في قواعد الجرح والتعديل ونقد الحديث وخاصة في أمور الاعتقاد لأنه اعتقاد أمة ولا يصلح فيه رأي فرد.

أعود لموضوع ابن لهيعة وروايته وأقول إن روايته في وصف الصراط ليست ضعيفة وإنما أقل ما يقال فيها هي من الحسن لغيره وأما ما ورد في الطعن فيه فهذا محل تفصيل لا يقبل مطلقاً هكذا ولا يرد مطلقاً هكذا أيضاً، فالحكم فيه نسبي، وروايته لا ترد مطلقاً ولذلك فإنا نجد له روايات في صحيح مسلم ولكن مقروناً بعمرو بن الحارث [انظر تهذيب الكمال 4/ 255 ط أولى 1998] ويقول الخزرجي في خلاصة تذهيب تهذيب الكمال: (وروى له البخاري والنسائي ولم يصرحا باسمه) [صـ211 من الخلاصة ط مكتب المطبوعات الإسلامية]، قال المزي: (وروى البخاري في الفتن من صحيحه [وذكر الحديث] ... وفي الاعتصام .. [وذكر حديث إن الله لا ينزع هذا العلم] .. وفي تفسير سورة النساء وفي آخر الطلاق وفي غير موضع؛ فقال أبو عبد الله بن يربوع الإشبيلي: إنه ابن لهيعة في هذه المواضع كلها. وروى النسائي أحاديث كثيرة من رواية ابن وهب وغيره يقول فيها عن عمرو بن الحارث وذكر آخر، وعن فلان ونحو ذلك وجاء كثير من ذلك مبيناً في رواية غيره أنه ابن لهيعة.) [تهذيب الكمال 4/ 455، 456].

فإن كان أمثال البخاري ومسلم قد أخرجا له مقروناً بغيره أو عن طريق رجال بأعيانهم لصحة الرواية عنه من طريقهم، وكذلك النسائي الذي نعلم جميعاً أنه لا يخرج حديثاً لراوٍ أجمعوا على ضعفه مع تشدده كما هو مشهور عنه فهذا يعني أن أحاديث ابن لهيعة ينظر فيها وينبغي دراستها بتمهل ولذلك نجد أن حكم ابن حجر الذي لخصه في التقريب أنسب ما يقال فيه، يقول رحمه الله: (صدوق من السابعة خلط بعد احتراق كتبه ورواية ابن مبارك وابن وهب عنه أعدل من غيرهما .. ) ولا يقتصر في ثبوت الرواية وصحتها عنه في هذين المحدثين الجليلين ولكنهما أعدل من يروي عنه، ولا شك أن قول ابن حجر فيه أنه (صدوق) وهي عنده لها دلالة شرحها في مقدمة التقريب ترفع حديثه من الرد إلى الاعتبار والقبول، فكيف ولحديثه شواهد من طرق متعددة، فإنما توقفنا في رد حديثه من جهة حفظه واختلاطه بعد احتراق كتبه، فإذا أتت المتابعات أو الشواهد من طرق متعددة تثبت أنه لم يختلط بل كان حافظاً في هذه الرواية فإن حديثه مقبول ويقوى مع المتابعات والشواهد، وهذا هو منهج المحدثين في تعاملهم مع رواية ابن لهيعة ففي ميزان الاعتدال عن حنبل عن أبي عبد الله قال: (ما حديث ابن لهيعة بحجة وإني لأكتب كثيراً مما أكتب لأعتبر به ويقوي بعضه بعضاً) [الميزان 2/ 478] وعمل البخاري ومسلم والنسائي والترمذي وغيرهم دليل واضح على ذلك.

ولذلك أرى أن حديثه في وصف الصراط هنا حجة ومقبول لما تقدم والله أعلم.

ثالثاً: القول بالاضطراب لا يكون إلا عند اختلاف الروايات اختلافاً حقيقاً لا يمكن الجمع بينها أبداً سنداً ومتناً ولم نعلم المتقدم من المتأخر فيها وهذا غير متوافر في أحاديث وصف الصراط التي أوردتموها بأسانيدها على عهدتكم، وليست مهمتنا هنا أن نثبت الاضطراب بل أن ننفيه ما استطعنا وهذا ما كان يقوم به ابن خزيمة وابن حجر في الفتح عند اختلاف الروايات، وأما إغفال لفظة في رواية ذكرتها رواية أخرى فهذا يدخل في نسيان الراوي للفظة ذكرها غيره وهو معنى تصرف الراوي، وزيادتها مع عدم معارضتها لا تثبت اضطراباً للحديث فالأحاديث تجتمع في معنى دقة الصراط وحدته. ومثال ذلك أن البخاري في كتاب الحرث والمزارعة عقد (باب اقتناء الكلب للحرث) وأورد فيه حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: (من أمسك كلباً فإنه ينقص كل يوم من عمله قيراط إلا كلب حرث أو ماشية) وفي رواية: (إلا كلب غنم أو حرث أو صيد)، وروى مسلم عن ابن عمر مرفوعاً: (أمر بقتل الكلاب إلا كلب صيد أو كلب غنم) فقيل لابن عمر: إن أبا هريرة يقول: (أو كلب زرع)، فقال ابن عمر: (إن لأبي هريرة زرعاً، ويقال أن ابن عمر أراد بذلك الإشارة إلى تثبيت رواية أبي هريرة وأن سبب حفظه لهذه الرواية دونه أنه كان صاحب زرع دونه ومن كان مشتغلاً بشيء احتاج إلى تعرف أحكامه. [انظر الفتح 5/ 6].

فهذا سبب من أسباب حفظ الراوي لرواية نسيها غيره، وقد يروي الراوي لفظةً بمعناها لأنه نسي اللفظ الذي تلقاه ولكن بحيث لا يخرج عن المعنى العام ومثاله هذا الحديث الذي يصف الصراط واختلاف الرواية فيه والأمر محتمل ولكنه بعيد ـ برأيي ـ عن الاضطراب، هذا والله أعلم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير