تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ولكن من أجل بناء تصور منطقي عن المسار التكويني للنص القرآني، تصور يكون قريبا من الواقع التاريخي، فإن ترتيب النزول المعتمد حاليا (من قبل الأزهر وغيره من الهيئات الإسلامية) ضروري ولكنه لا يكفي. "ضروري لأنه لا يمكن بناء تاريخ من غير مواد تاريخية"، أما أنه لا يكفي فلئن المرويات لا تفي بالغرض المرجو. فلا بد إذن من توظيف المنطق في عملية استثمار المواد التي يقدمها المأثور، "وفي هذه الحالة قد تدعو الحاجة إلى التصرف في ترتيب النزول المعتمد اليوم، بوصفه نتيجة اجتهاد مبني على الظن والترجيح، وذلك من خلال المطابقة بين المسارين: مسار السيرة النبوية والمسار التكويني للقرآن" (ص 244 - 245).

على هذا الأساس قدم الجابري تحقيبا للمرحلة المكية من نزول القرآن في مخطط مساوق لمسار السيرة النبوية فجعلها على خمسة مراحل: مرحلة الدعوة السرية، ثم الدعوة جهرا والتعرض للأصنام وبداية الصراع مع قريش، وهذه المرحلة تبدأ مع قراءة النبي صلى الله عليه وسلم لسورة النجم في الكعبة. أما المرحلة الثالثة فهي مرحلة اضطهاد قريش للمسلمين ومحاولتهم إغراء النبي للتخلي عن مهاجمة أصنامهم، وهجرة المسلمين إلى الحبشة جراء ذلك، تليها مرحلة حصار النبي وأهله في شعب أبي طالب ـ وقد أوضح الجابري صعوبة تعيين السور التي نزلت في هذه المرحلة-، وتأتي أخيراً مرحلة فك الحصار وعرض النبي نفسه على القبائل، ومن السور التي توفرت على إشارات إلى هذه المرحلة: الطارق، الجن، القمر، ص، الأعراف، الإسراء ... الخ.

أما فيما يخص إعجاز القرآن، فقد عرض الجابري باقتضاب لبعض نظريات الإعجاز القرآني ولم يتوقف عندها طويلا، ولكنه انتقل للبرهنة على أن القرآن هو المعجزة الكبرى والوحيدة لمحمد صلى الله عليه وسلم، ونفى أن يكون انشقاق القمر، أو الإسراء والمعراج معجزات حقيقية أصلا. ومن هنا انتقل إلى الدفاع عن صحة الوحي المحمدي وأنه لم يأخذ عن أحد من أهل الكتاب. ثم استطرد في هذا إلى الحديث عن تطور العلاقة مع أهل الكتاب في القرآن المكي، وقد كانت علاقة هامشية، ثم في القرآن المدني، إذ ابتدأ الجدل مع اليهود في المدينة قبل أن يتحول الجدل إلى صراع فجلاء لليهود عن المدينة، وحدث بعدها الجدال مع النصارى «وفد نجران».

القصص القرآني وتطور الدعوة المحمدية

أما القسم الثالث من الكتاب فمداره القصص القرآني أو القرآن/الذكر، وليس مقصود الجابري من هذا القسم ما قد يتبادر من عنوانه، أي سرد قصص الأنبياء كما جاءت في القرآن، بل مراده وغايته أن يتعرف على الدعوة المحمدية من خلال القصص القرآني، فهذا القصص"نافذة واسعة تمكننا من الإطلالة على جانب مهم من محيط الدعوة المحمدية .. نقصد علاقتها بتجارب الأنبياء السابقين مع أقوامهم، وهو من جهة أخرى خطاب جعل منه القرآن مسرحا لخطاب جدلي أبدي موجه إلى خصومه يطلب منهم استخلاص العبرة من تلك التجارب، وبالتالي فهو مكون أساسي من مكونات مساره التكويني" (ص257).

وقد اعتمد الجابري للوصول إلى غايته هذه عددا من القواعد: أولها: النظر إلى القصص القرآني باعتباره نوعا من ضرب المثل، والاقتصار على المادة التي يعطيها القرآن وحده، بغض النظر عن مسألة الحقيقة التاريخية؛ فبما أن الهدف الأوحد للقصص هو العبرة فلا معنى للبحث عن الصحة التاريخية لها. وآخر القواعد هو تتبع القصص القرآني حسب ترتيب النزول، وليس حسب ترتيب المصحف، وهذا التتبع لا يعنيه التسلسل الزمني لوقائع القصة، بل يعنى بعرض القصص كما تناولها القرآن منذ أولى السور التي تعرضت للقصص، ذلك أن القرآن "ليس كتاب قصص، بل كتاب دعوة يستعمل القص لأهداف الدعوة" (ص260).

ويمكن تصنيف القصص القرآني بحسب أغراضها وتبعا لترتيب نزولها في ثلاثة أصناف:

أ. صنف يتوخى توجيه الاهتمام إلى المصير الذي آلت إليه الأقوام التي كذبت رسلها. والمخاطب فيها هم خصوم الدعوة المحمدية من قريش، والمقصد الأساس من هذا الصنف هو تخويف هؤلاء وتحذيرهم من أن يلاقوا نفس المصير الذي لقيه أولئك الأقوام. ومعظم هذا الصنف يعرض لقصص «أهل القرى» ـ أي عاد وثمود ومدين وغيرهم ـ مع أنبيائهم.

ب. وصنف يهتم بالثناء على الأنبياء والتنويه بهم، وإبراز ما خص الله به كلاً منهم من آيات مبينة، والهدف إثبات صدق نبواتهم ورسالاتهم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير