تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ت. أما الصنف الثالث فتختص به المرحلة المدنية، ويتميز بالجدل مع اليهود والنصارى حول تصورهم لله عز وجل، وإبراز عقوقهم وانحرافهم عن دين إبراهيم. هذا من حيث أغراض القصص القرآني، أما من حيث ترتيب النزول فيمكن التمييز بين ثلاث مراحل: مرحلتان مكيتان والثالثة مدنية.

المرحلة الأولى: تمتد من سورة الفجر وترتيبها 10 إلى سورة القمر وترتيبها 37، حسب الترتيب المعتمد لدى الأزهر وغيره. ويمكن التمييز في هذه المرحلة (5) بين قسمين: أحدهما يندرج تحت الصنف الأول وفيه ذكر قصص «أهل القرى» بإيجاز والتحذير من مصيرهم الذي آلوا إليه، والقسم الثاني يندرج تحت الصنف الثاني: أي التنويه بالأنبياء السابقين وما أوتوه من آيات ومعجزات.

المرحلة الثانية: وتمتد من سورة ص ورتبتها 38 إلى سورة العنكبوت وترتيبها 85 وهي آخر سورة مكية ورد فيها قصص. وعلى الرغم من أن هذه المرحلة تمتد من سورة ص فإن الجابري يتجاوزها إلى سورة الأعراف وترتيبها 39، حيث يرى أن سورة الأعراف قد شكلت نقلة نوعية على مستوى القص؛"ذلك أن القص المفصَّل، المستوفي لعناصره إنما يبدأ معها. فكثير من القصص التي سترد في السور اللاحقة هي إما تفصيل لبعض الجوانب المذكورة في هذه السورة، وإما صياغة لها جديدة حسب ما يقتضيه المقام. ففي هذه السورة نجد أنفسنا إزاء ما يشبه أن يكون مخططا لقسم كبير من القصص القرآني، يشمل قصص الأنبياء الذي لم يرد لهم ذكر في التوراة، كما يعرض لمعظم أنبياء التوراة" (ص291) وقد عرضت سورة الأعراف لأنبياء العرب البائدة ضمن سلسلة الأنبياء المذكورين في التوراة، متقيدة بالترتيب الزمني، انطلاقا من قصة آدم وإبليس وقصة نوح والطوفان، فعاد وثمود، ثم لوط وإبراهيم وشعيب، ثم قصة موسى مع فرعون، ومنها تخلص السورة إلى عرض مباشر لصراع الرسول محمد صلى الله عليه وسلم مع مشركي قريش.

ويُلحق بهذه المرحلة مجموعة قصص مستقلة نزلت جميعها بعد سورة الأعراف، ومعظمها لم يذكر إلا مرة واحدة في سورة بعينها من القرآن المكي، وبعضها عرض مجددا في القرآن المدني ولكن في سياق مختلف. وسياق هذه القصص جميعها يرتبط بذكر ما خص الله به أنبياءه من أمور خارقة للعادة، وأنها دلالة على قدرة الله على الإتيان بالآيات المعجزات، وأن الله خص محمدا بمعجزة تختلف عن معجزات الأنبياء السابقين هي القرآن، وذلك ردا على خصوم الدعوة المحمدية، الذين كانوا يطالبون النبي بمعجزات من جنس خرق العادة. فمن هذه القصص: قصة زكريا الطاعن في السن وامرأته العاقر إذ ينجبان، وقصة مريم إذ تحمل من دون أن يمسسها رجل (في سورة مريم)، ثم قصة يوسف، وقصة أصحاب الكهف، وقصة ذي القرنين في سورة الكهف.

أما المرحلة الثالثة فهي المرحلة المدنية جملة. وفيها اتخذ القص القرآني شكلا جديدا ساد فيه الجدل مع أهل الكتاب. وقد ابتدأ الجدل مع أهل الكتاب في القرآن المدني مع اليهود، حتى إذا هجروا المدينة، انصرف القرآن إلى محاجة النصارى، خصوصا في مسألة التثليث. ولا بد من الإشارة إلى أن قصص القرآن المدني قد أصبحت أقل سردية من القصص المكي وساد فيها الخطاب الجدلي الذي يستعمل عناصر من القصص المكي، إضافة إلى قصص أخرى أو عناصر جديدة في قصص سابقة.

كما لاحظ الجابري أن لهجة هذا الخطاب قد اختلفت باختلاف الظروف والمناسبات، فقد بدأ الخطاب لينا وفاقا مع قوله تعالى في سورة العنكبوت عندما كان النبي بمكة يتهيأ للهجرة: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} العنكبوت: 46. ولكن عندما أخذ اليهود يستفزون المسلمين ويتحرشون بهم أخذت لهجة الخطاب تتدرج نحو الشدة والتعنيف، حتى انتهى الأمر بقيام صدام بين الطرفين انتهى بإجلاء اليهود عن المدينة نهائيا.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير