وهو اقتباس من قوله تعالى: ?يَا أَيُّهَا الإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الكَرِيمِ الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ? (سورة الانفطار: الآية 6 - 7).
- وفي الحديث: "لاَ تُفَضِّلُوا بَيْنَ أَنْبِيَاءِ اللَّهِ، فَإِنَّهُ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَيُصْعَقُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ أُخْرَى فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُبْعَثُ".
وهو اقتباس من قوله تعالى: ?وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ? (سورة الزمر: الآية 68).
7 - مما لا شك فيه أن النبي أوتي جوامع الكلم. وقد ورد عن أبي هريرة أن النّبي صلّى اللّه عليه وسلم قال: "أُوتِيتُ جَوَامِعَ الكَلِمِ" (رواه البخاري ومسلم). وفي رواية عن ابن عباس قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم: "أُوتِيتُ جَوَامِعَ الكَلِمِ وَخَوَاتِمَهُ وَفَوَاتِحَهُ" (رواه الدارقطني). وفي رواية ثالثة عن عمر بن الخطاب قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم: "أُوتِيتُ جَوَامِعَ الكَلِمِ وَفَوَاتِحَهُ وَخَوَاتِمَهُ، وَاخْتُصِرَ لِيَ الكَلاَمُ اخْتِصَاراً" (رواه أبو يعلى الموصلي). قال النووي في المقصود بجوامع الكلم: هي أن يجمع له الله الكلماتِ الطّويلةَ في جُمَلٍ صغيرةٍ.
ويقول الجاحظ (في كتابه: البيان والتبيين) واصفا كلام النبيّ، صلّى اللّه عليه وسلم:
((هو الكلام الذي قلّ عدد حروفه، وكثر عدد معانيه، وجل عن الصنعة، ونَزُهَ عن التكليف، وكان كما قال الله تبارك وتعالى: قل يا محمد: ?وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ? (سورة ص: الآية 86)، فكيف وقد عاب التشديقَ، وجانَبَ أصحابَ التقعير .. لم يَنطق إلا عن ميرَاثِ حِكمةٍ، ولم يتكلم إلا بكلام قد حُفَّ بالعصمة، وشِيدَ بالتأييد، ويُسِّر بالتوفيق، وألقى الله عليه المحبة، وغشّاهُ بالقبول، وجمع له بين المهابة والحلاوة، وبين حُسن الإفهام وقلة عدد الكلام .. ومع استغنائه عن إعادته وقلة حاجة السامع إلى معاودته، لم تسقط له كلمةٌ، ولا زلّت به قدمٌ، ولا بارَت له حُجّةٌ، ولم يَقُم له خصمٌ، ولا أفحمه خطيبٌ .. بل يَبُذّ الخُطَبَ الطِّوال بالكلام القصير، ولا يلتمس إِسْكاتَ الخصم إلا بما يعرفه الخصم، ولا يحتج إلا بالصّدق، ولا يطلُب الفَلَجَ إلا بالحقّ، ولا يستعين بالخِلابة، ولا يستعمل الْمُوَارَبَة، ولا يَهْمِز ولا يَلْمِز، ولا يُبْطِئ ولا يَعْجَل، ولا يُسْهِب ولا يَحْصَر .. وما سُمِع كلامٌ قَطُّ أعمُّ نفعاً، ولا أصدقُ لفظاً، ولا أعدلُ وزناً، ولا أجملُ مذهباً، ولا أكرمُ مطلباً، ولا أحسنُ موقِعاً، ولا أسهلُ مخرجاً، ولا أفصحُ عن معناه، ولا أبيَنُ في فحواه من كلامه، صلّى اللّه عليه وسلم)).
وهذا يثير عندي تساؤلا لم أجد له جوابا في ما اطلعت عليه من المراجع والدراسات: إن كان الأمر كذلك في حديث النبي صلى الله عليه وسلم، فما هي الخصوصية التي شدّت انتباه المشركين في بلاغة القرآن الكريم حتى يعجزوا أمامه، ويقرّوا بأنّ أسلوبه مختلف عن أسلوب البشر، ومختلف حتى عن أسلوب النبي –صلى الله عليه وسلم- نفسه.
8 - وأختم هذه الملاحظات بتساؤل يثير شبهة تحتاج إلى البحث. فقد ذكر الكاتب في مقدمة كتابه ما يلي (انظر بداية ص 9):
((المفروض، لو أن القرآن الكريم والأحاديث النبوية مصدرهما واحد، أن تكون الألفاظ المهمة المنتشرة في أحدهما موجودة بنفس الوفرة تقريبا في الآخر ما دام العصر الذي ينتميان إليه واحدا، والبيئة هي نفس البيئة، والظروف الاجتماعية والمهاد العقلي والنفسي هما هما، وما دامت الموضوعات التي يعالجانها واحدة، وليس من فاصل زمني بينهما. أقصد أن القرآن مثلا لم يكن من نتاج فترة الشباب، والأحاديث من فترة الكهولة، بل كان النصان متلازمين زمنيا يسيران جنبا إلى جنب في الثلاث والعشرين سنة الأخيرة من حياة الرسول صلى الله عليه وسلم.))
وهذا الاستدلال مفيد جدا، غير أنه قد يثير الشبهة التالية: فالكاتب قد يختلف أسلوب كتابته وخطابته، عن أسلوب حديثه وكلامهة في حياته اليومية. لذا فلا يستغرب أن تغيب بعض المفردات التي يكثر من استعمالها في شؤونه اليومية عن كتابته أو خطبه. ففي المجال الأول تجري المفردات مجرى العادة على اللسان، أما في الكتابة والخطابة فقد يُعمل الإنسان شيئا من الانتقائية في مفرداته.
فإن كان يجوز لنا تطبيق مفهوم (النص الأدبي) على القرآن الكريم، فهل يصح أيضا تطبيق هذا المفهوم على كل الأحاديث النبوية، واعتبارها (نصا أدبيا)؟ أم أن من الضروري تقسيم الحديث النبوي أيضا إلى قسمين: قسم قد ينطبق عليه مفهوم (النص الأدبي)، لعله يكون ممثلا في خطبه -صلى الله عليه وسلم-، وقسم يمثل كلامه وحديثه في الشؤون اليومية؟
وهل من الضروري، تبعا لذلك، الاعتناء أكثر بخطب النبي صلى الله عليه وسلم عند المقارنة؟
¥