تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

- إن الأنانية تُعميهم عن رؤية حسنات الآخرين، والكبر والعجب يصدهم عن التعاون معهم، وكل واحد منهم لا يقبل إلا أن يكون أوحد دهره وفريد عصره. أما سيد البشر ? فقد قبل أن يكون لبنة في بناء تتراص مع أخواتها وتشد البناء بقوة ومتانة.

- إن العمل الجماعي المتكامل الذي يعي فيه الفريق دوره ككل متكامل، ويعي فيه كل فرد دوره كجزء مكمل، هو الذي نحتاجه اليوم جداً، وهو الذي تحول دونه أهواء الناس وأنانياتهم. إننا مطالبون اليوم بالتعاون أكثر من أي وقت مضى، ومطالبون بالوحدة والاعتصام بحبل الله عز وجل، إننا مُطالبون أن نحيي في دواخلنا كل معاني الإيثار والمحبة والصدق والإخلاص، وأن نميت في أنفسنا كل ألوان الأنانية والأثرة والحسد والبغضاء.

ثامناً:

هناك طائفة كبيرة من العلماء يجمعون الناس حول أنفسهم، ويجعلون المركزية والصدارة لذواتهم وليس لدين الله عز وجل، ولذلك ينهون تلاميذهم عن الحضور عند مشايخ آخرين بحجة أن الغرسة إذا نُقلت من تربتها إلى تربة أخرى سيصيبها الفساد.

إن النبي ? لم يكن يجمع الناس حول شخصه، بل كان همه الأول أن يُخلِصوا لله عز وجل، وأن يتجهوا إليه جل شأنه بالعبادة، ولذلك كان يَحرم أعز الناس على قلبه من المغانم ويُحمِّلهم المغارم، ولقد ذكّرت قبل قليل ببعض الأمثلة من السيرة في بدر وأحد حين دفع بعمه وأولاد عمه إلى قلب المعركة، وكان حمزة أول قافلة الشهداء في أحد، وقد تألم النبي ? لفراقه أشد الألم. ومنع فاطمة عليها السلام من الخادم رحمة ببعض أصحابه الفقراء، وبعد حنين أعطى المؤلفة قلوبهم وأجزل لهم العطاء حتى وجد الأنصار في أنفسهم، وهم من تعلمون مكانة في قلب النبي ?، ثم بين لهم أنها لعاعة من الدنيا يتألف بها ضعفاء الإيمان. وأعطى ذات يوم رجلاً فقيل له أعطيت فلاناً وفلان خيرٌ منه، فقال: إني لأعطي الرجل وغيره أحب إلي منه أكِلُه إلى إيمانه.

لقد كان هذا منهجه عليه أفضل الصلاة والسلام يحرم أقرباءه وأصحابه المقربين يَكِلُهم إلى إيمانهم وقربهم من الله عز وجل، ويعطي ضعفاء الإيمان لكي يخلص قلوبهم من الكراهيات والأحقاد والسخائم، فيتمكنون من رؤية الحق الأبلج. إن هذا المنهج عكس ما نشاهده لدى كثير من المشايخ اليوم، فالمشيخة مغنماً له ولأولاده ولأقربائه ولأصهاره.

تاسعاً:

إننا في كثير من الأحيان لا نفرق بين ما هو لله عز وجل، وما هو للنفس، أو بين ما هو للعلم والحق، وما هو للذات، أو بين ما هو شخصي وما هو علمي، وها هنا مِحكٌّ صعب جداً، ومفصل دقيق جداً، لأن ما هو لله قد يختلط بما هو للنفس دون أن يشعر الإنسان، فيعادي ويخاصم لله بحسب ظنه، ولكن الهاجس العميق، والمحرك الخفي للخصومة هو نفسي وذاتي، كثيرة هي التهم التي تُتداول بين المسلمين: وهّابي، أشعري، شيعي، علماني، صوفي بحسب السياق الاجتماعي والزماني والمكاني وهي تصنيفات جاهزة، يتم التشهير بها بحسب الحاجة، ويتم الحشد والتجييش للجمهور في الوقت المناسب ضد شخص ما من الأشخاص، ويتم تصدير هذه التهم والتصنيفات إلى التلاميذ، فتنشأ أجيال لاحقة تتوارث الكراهية والشحناء، ويضيع الحق والعدل والإنصاف بين الإحْن والشنآن.

ينظر علماؤنا المعاصرون إلى الخوارج نظرة تاريخية فيها انتقاص وتبديع وتجهيل شديد، وهذا فيه حق كثير، ولكن المصيبة أننا نجهل أننا نمارس الخارجية في الفكر والأخلاق دون أن ندري، فالخوارج يؤخذ عليهم أنهم قتلوا صاحب رسول الله ? عبد الله بن خباب بن الأرت، وقتلوا امرأته معه وكانت حاملاً في تمام حملها، ثم أكلوا تمراً من نخل لنصراني فقالوا لبعضهم هذا حرام، فذهبوا إليه يستحلونه من ذلك،!! هل تصدقون أننا نفعل ذلك؟!

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير