تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

إن ديننا أباح لنا أن نتعايش مع كل أصناف الناس "" لكم دينكم ولي دين ""، وأباح لنا أن ننعم بالتسامح مع كل المعتقدات والاتجاهات فـ "" لا إكراه في الدين "" هذا صحيح، ولكن لماذا يكون التسامح بين العلماء المسلمين وغير المسلمين كالمسيحيين وغيرهم أكثر مما هو بين العلماء المسلمين فيما بينهم؟ فما دمنا نقبل التعايش في ديننا مع من يدعي لله ولداً، أو مع من ينكر وجود الله عز وجل أو غير ذلك، إذ لا سلطان لنا على ضميره، فلماذا نضيق ذرعاً بآراء أناس مسلمين مثلنا، موحدين مثلنا، لكنهم يخالفوننا في أمور هي بالتأكيد أهون من أولئك المخالفين في الملة؟! بعبارة أوضح: لماذا إذا اختلف المشايخ في أمور فرعية أدى ذلك إلى المشاكسة والخصام والكراهية؟ لماذا لا نفرق بين ما هو علمي وما هو شخصي؟ لماذا يتعانق الشيخ والقسيس ولا يتعانق الصوفي والوهابي على سبيل المثال؟ أليس هذا خروجاً؟!

أخشى أن يكون السبب هو الشعور بتهديد المنافع، وتقاسم المكاسب من قبل إخواننا في الدين الذين ترشحهم مؤهلاتهم لذلك، أما الآخرون المخالفون لنا في الملة فلا يهددون منافعنا ومواقعنا الدينية – كالخطابة والتدريس والإمامة والمركز وغيرها - ولذلك تظل العلاقة الشخصية معهم في مأمن من خطر التنافس والتحاسد.

ألا يمكننا أن ننبه الآخرين إلى أخطائهم وبيان عثراتهم دون تجريح أو كراهية أو تشنج؟ لماذا لا نحسن الخصومة العلمية التي تحافظ على المودة والاحترام؟ لقد قال رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَة وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ "" ().

كلنا يعلم كم كان اليهود يُكنّون البغض للنبي الكريم ?ولقد هموا بالغدر به مرات عديدة، ومع ذلك وبعد أن اضطروه إلى إجلائهم، بل وقتلهم في الخندق وخيبر، مع كل ذلك كان له صلات معهم، فيزورهم ويستدين منهم، بل وينصفهم، وتذكرون أنه أهديت إليه شاة من أمرأة يهودية بعد معارك خيبر - إنهم يعلمون أنه لا يحقد، وأنه يُحسن الظن، وأنه لا يرد الهدية برغم العداوة الشديدة بين الطرفين، والتي قُتل فيها رجالات اليهود وأبطالهم.

نحن لسنا أوصياء على الناس ولا نملك أن نرغم الناس على أن يعتقدوا بما نعتقد، ويدينوا بما ندين، لنا أن نوضح ونبين بالكلمة الطيبة، والموعظة الحسنة، ونجادل بالتي هي أحسن، ثم إن الله عز وجل يحكم بين عباده ? فَاللّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ? ().

? فَاللّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ? ().

? وَإِن جَادَلُوكَ فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ * اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ? ().

? ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ? ()

لقد تكرر معنى هذه الآيات في كتاب الله عز وجل مرات كثيرة جداً يزيد على عشرين مرة، أفلا يعني ذلك لنا شيئاً؟! إننا لم نستطع أن نحول المغزى في هذه الآيات إلى منهج حياتي، وسلوك أخلاقي.

عاشراً:

لا بد من القول بأن الحالة السلبية التي يتردى فيها بعض أهل العلم أو المنتسبين إليه بالإضافة إلى كونها نتيجة للدنيوية المعششة في القلوب، هي أيضاً انعكاس للحالة الأخلاقية العامة التي تسود المجتمع اليوم، وفيها انحطاط شديد لقيمة الإنسان وإنسانيته وكرامته وحريته، فالملاحظ من خلال التعامل الاجتماعي أن المعيار اليوم في التعامل بين المسلمين ليس هو جوهر الإنسانية، وإنما هو اعتبارات ثانوية أخذت محل الصدارة والأولوية، فالإنسان يُكرَّم اليوم ويُحترم لمنصبه أو جاهه أو شهادته أو ثرائه، أما هويته الحقيقية وهي الإنسانية فمُغيَّبة جداً ومُهدَرة جداً، وسأضرب مثلاً من الواقع: كان لي مريض في المشفى فذهبت لزيارته فمنعني البواب، قال لي ممنوع الدخول لأنه ليس الآن وقت الزيارة، فقلت ولكن انظر إن الناس يدخلون ويخرجون بكثرة، قال لي لا شأن لك، فقلت لا بد من الدخول أو تطبق النظام على كل الناس، وكان كثير من الداخلين قد عرف طريقة الدخول

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير