تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الأستاذ المشارك بقسم الكتاب والسنة - كلية الدعوة وأصول الدين - جامعة أم القرى

ـ[محب]ــــــــ[20 Apr 2007, 07:23 ص]ـ

قال القاضي أبو بكر ابن الطيب الباقلاني (ت403هـ) في كتابه (الانتصار للقرآن 1/ 267):

باب القول في بيان حكم كلام القنوت، وما رُوي عن (أُبيّ) من الخلاف في ذلك ...

حكى الشبهة رحمه الله ثم قال:

يقال لهم: الذي عندنا في هذا أن دعاء القنوت ليس من القرآن بسبيل، ولأنه لو كان من القرآن لكان بيان النبي صلى الله عليه وإيعازه في أمره كبيانه لسائر القرآن، ولكانت الحجة قائمة والعادة جارية بضبطه عنه وحفظه، وتوفر الهمم والدواعي على إظهاره وإشهاره، فإذا لم يكن أمره كذلك بطل بطلانًا بينًا أنه من القرآن.

ولأننا أيضًا قد علمنا قصور نظمه في البلاغة والفصاحة عن رتبة القرآن، وإن كان أفصح وأوجز وأحسن من كثير من كلام العرب، وإنما يعلم ذلك ويتأمله أهل العلم والفصاحة وأهل البيان والبلاغة والمعرفة بنظوم الكلام وأوزانه وموقع معانيه وشرف تأليفه ومعانيه، ومباينته لسائر ما قصر عن بلاغته.

ويدل على ذلك أيضًا ما سنذكره من اتفاق (أُبيّ) وعبد الله وجميع الأمة على تصحيح مصحف عثمان، وأن ما انطوى عليه هو جميع القرآن الثابت الرسم، وأن ما خالفه وزاد عليه فليس بقرآن، والأمة لا تجتمع على خطأ وضلال، وقد ثبت أن (أُبيًّا) عُمِّر إلى زمن جمع عثمان الناس على مصحفه، وأنه كان أحد من حضر ذلك وأشاد به بما سنذكره فيما بعد إن شاء الله، فلعل (أُبيًّا) -إن كان قال ذلك أو كتب الدعاء في مصحفه ورقعه التي كان يثبت فيها القرآن- إنما قاله وأثبته على وجه التوهم والغلط، ثم استدرك ذلك واسترجع لما وجد الأمة دافعة لذلك وراغبة عنه، ولما علم أنها لا تجمع على خطأ وتضييع للحق.

وهذا هو المعتمد، لأن ذلك لو كان قرآنًا على ما ظنه لوجب ظهوره وانتشاره ومعرفة الكافة به، وعُلم أن هذا هو العادة في نقل ما يقتضي أحواله تحرك الدواعي والأسباب على نقله وإذاعته، فكل هذا يدل دلالة قاطعة على أن القنوت ليس من القرآن بسبيل.

وأول ما نقول ما روي عن (أُبيّ) بعد تقريرنا لهذه الدلالة على أن دعاء القنوت ليست من القرآن في شيء أن أحدًا لا يقدر أن يروي عن (أُبيّ) لفظة واحدة في أن دعاء القنوت قرآن منزل، وإنما روى قوم عنه أنه أثبت دعاء القنوت في مصحفه، وإذا لم يقل ذلك تصريحًا ولا حُفظ عليه، ولم يكن إثباته له في مصحفه أو رقعة من مصحفه يدل دلالة قاطعة على أنه يعتقد كونه قرآنًا لما سنبينه فيما بعد، بان بهذه الجملة أنه لا حجة لأحد فيما يروى من إثبات (أُبيّ) لهذا الدعاء.

ثم إذا صرنا إلى القول فيما روي عنه من إثبات هذا الدعاء في مصحفه لم نجده ظاهرًا منتشرًا، ولا مما يلزم قلوبنا العلم بصحته ويلزمنا الإقرار به والقطع على (أُبيّ) بأنه كتب ذلك، بل إنما يُروى ذلك من طرق يسيرة نزرة رواية الآحاد التي لا توجب العلم ولا تقطع العذر.

ولا ينبغي لمسلم عرف فضل (أُبيّ) وعقله وحسن هديه وكثرة علمه ومعرفته بنظم القرآن ووزنه وما هو منه مما ليس من جملته: أن تنسب إليه أنه كتب دعاء القنوت في مصحفه أو اعتقد أنه قرآن! فإن اعتقاد كونه قرآنًا أبين وأفحش في الغلط من كتابته في المصحف وأن يُقطع على (أُبيّ) الشهادة بذلك من جهة أخبار الآحاد ويُشهد بذلك عليه، ويُشهد به على من دون (أُبيّ) من العلماء المؤمنين، وإذا كان ذلك كذلك وكنا لا نعرف صحة إثباته له بهذه الرواية: فسقط التعلق بها سقوطًا ظاهرًا.

ومما يدل على وهاء هذا الخبر عن (أُبيّ) علمنا بأن عثمان يشدد ويصعب في قبض المصاحف المخالفة لمصحفه، وفي المطالبة بها وتحريقها ودرس آثارها والمنع من العمل على ما فيها، وإذا كان ذلك كذلك كانت العادة توجب أن يكون مصحف (أُبيّ) أول مقبوض ومأخوذ، وأن يكون عثمان تسرع إلى مطالبته وحرصه على قبضه وتحصيله أشد من تسرعه إلى مصحف غيره ممن تنقص رتبته عن منزلته ولا تتعلق القلوب وتتطلع النفوس إلى ما عنده وما في مصحفه، وقد جاءت الرواية عن محمد والطفيل ابني (أُبيّ بن كعب) وأنهما قالا لوفد من أصحاب عبد الله عليهما يطلب مصحف أبيهما، فذكرا أنه قد قبضه عثمان منه، وإذا كان ذلك كذلك، وجب أن يكون مصحف (أُبيّ) الذي فيه إثبات هذا الدعاء -إن كان ذلك على ما رُوي- مما قد أُخذ وقبض، فكيف بقي

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير