تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

حتى رآه الناس ورووا أنه كان عند أنس بن مالك وأنه كان فيه دعاء القنوت؟!

ويقول بعضهم: هذا لا أصل له، وقد رأينا مصحف أنس الذي ذكر أنه مصحف (أُبيّ) وكان موافقًا لمصاحف الجماعة بغير زيادة ولا نقصان، ولو صح وثبت أنه وجد مصحف ينسب إلى (أُبيّ) فيه دعاء القنوت لوجب أن يُعلم أنه متكذب موضوع قُصد بوضعه لفساد الدين وتفريق كلمة المسلمين والقدح في نقلهم والطعن في مصحفهم الذي هو إمامهم، ولا ينبغي لعاقل أن يقطع الشهادة على (أُبيّ) بأنه أثبت دعاء القنوت في مصحفه واعتقد أنه قرآن بوجود صحيفة ذلك فيها يُذكر أنه مصحف (أُبيّ) من وجه لا يوجب العلم ولا يقطع العذر ولا يحل في الظهور والانتشار محل ما من شأنه أن يظهر عن مثل (أُبيّ) ويكثر الخوض فيه والرواية له.

وكذلك فلا يجب أن تقطع الشهادة بذلك برؤية صحيفة هذه سبيلها على من هو دون (أُبيّ) من المؤمنين، وأن الوضع والكذب والتلفيق قد يُرسم في المصحف ويُنسب إلى أهل الفضل لقصد ما ذكرناه، وإنما يجب أن يُقطع على أن الكتاب والمصنف كتاب الرجل وتأليفه وثبتت الشهادة عليه بذلك بالأخبار المتظاهرة المستفيضة الموجبة للعلم دون وجود الكتاب فقط، وبمثل هذه الأخبار أثبتنا مصحف عثمان وأنه جمعه، وبمثلها علمنا أن (موطأ مالك) و (رسالة الشافعي) و (مختصر المُزني) و (العين للخليل) و (المقتضب للمبرد) من تصنيف [من] ينسب إليه من العلماء، لا بوجود الكتب والصحف فقط التي لا تبين عن نفسها ولا تخبر عن صحتها وبطلانها، فإذا كان ذلك كذلك لم يكن في وجودنا أية نسخة أو بأية نسخة فيها دعاء القنوت منسوبة إلى (أُبيّ) ما يوجب القطع عليه بذلك والعلم بأنه من جمعه وإثباته، فبان أنه لا تعلق لهم في هذه الآية.

وقد ذكر الناس أن الذي لهج بذكر ذلك على (أُبيّ) وخاض فيه وأشاع ذكره عنه أصحاب عبد الله بن مسعود، وأن الداعي كان لهم إلى ذلك شدة حرصهم وعنايتهم بطلب كل مصحف يخالف مصحف عثمان بما قل أو كثر ليجعلوا ذلك حجة وذريعة إلى تسهيل سبيل مخالفة الناس لمصحف عثمان والعمل به وبغيره من مصحف عبد الله و (أُبيّ) وغيرهما، وكان هذا سبب ذكر الناس لهذه القصة عن (أُبيّ)، فروى بشر بن سعيد عن محمد بن (أُبيّ بن كعب) أنه قال: قدم ناس من أهل العراق إليّ فقالوا: إنا قد أعملنا إليك المطي من العراق، فأخرج لنا مصحف (أُبيّ)، فقلت لهم: قد قبضه عثمان. فقالوا: سبحان الله! أخرجه إلينا. فقلت: قد قبضه عثمان.

وروى صدقة بن زياد عن أبي نعيم عن الطفيل بن (أُبيّ بن كعب) أنه قال: قدم أربعة نفر من أهل الكوفة بعد وفاة (أُبيّ) في خلافة عثمان فقالوا: إنا قدمنا إليك لتخرج إلينا مصحف أبيك لننظر فيه، فإن أباك كان أعلم الناس بالقرآن. فقلت: قد قبضه عثمان. فقالوا: سبحان الله! ما لعثمان ولمصحف أبيك؟ قلت: ما لعثمان ولكن عمر بن الخطاب حرقها.

فهذا ينبئ عن قبض عثمان لمصحف (أُبيّ) على ما قد بيناه من قبل، وعلى ما ذكرناه من شدة حرص أهل العراق وطمعهم في أن يعثروا على مصحف يخالف مصحف عثمان، فقد يجوز إذا كان ذلك كذلك وتحدث متحدث وقال: إني رأيت عند أنس بن مالك أو غيره مصحفًا هو مصحف (أُبيّ) في دعاء القنوت: أن يكثر أصحاب عبد الله ذكر ذلك ويجعلوه حجة في الامتناع من تسليم مصحف عبد الله وغيره من المصاحف الخالفة لمصحف عثمان، لظنهم صدق هذا الراوي وإن لم يكن لذلك أصل، وإذا كان ذلك كذلك بطل التعلق بهذه الرواية الشاذة الموجبة لخلاف ما عليه العادة في شهرة ذلك عن (أُبيّ) وما هو عليه من معرفة القرآن وحسن تلقيه ووجوب علمه ومعرفته بتمييزه من غيره.

على أنه لو صحت الرواية عن (أُبيّ) بإثبات دعاء القنوت في مصحفه من وجه لا يمكن جحده والشك فيه لوجب أن يُحمل ذلك منه على وجه لا يقتضي اعتقاد كونه قرآنًا ومخالفة الجماعة في ذلك، بل على ما يوجب موافقة الأدلة التي قدمنا ذكرها، وهو أن يكون (أُبيّ) لما وجد دعاء القنوت وداوم عليه رسول الله صلى الله عليه وصار سنة متأكدة وبابًا من أبواب الشريعة وعملاً من أعمال الصلاة يجب حفظه والمواظبة عليه: رأى أن يثبته في آخر مصحفه أو تضاعيفه إن كان مصحفه مثبتًا على قدر ما كان من أخذه وحفظه للقرآن على غير ترتيب السور وتاريخ نزوله، لكي لا يذهب عليه كلمة ولا حرف من الدعاء، لا على أنه قرآن منزل ومما قد قامت الحجة به،

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير