نقول: إنها من فروض الكفاية التي يجب على الأمة القيام بها، فإذا قام بها البعض سقط عن الباقين، وإن لم يقم بها أحد أثم الكل ([11])، برهان ذلك: انه تبليغ عن سول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال: "… فليبلغ الشاهد الغائب" ([12]). وقال "بلغوا عني ولو آية" ([13]). وقد أوجب الله على رسوله التبيلغ فقال:] يَا أَيَّهَا الرَّسُوْلُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَه [(المائدة:67) فهو بلغ للعرب بلسانهم] وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رِسُوْلٍ إِلا بِلِسَانِ قَوْمِهِ [(إبراهيم:5) ويجب على العرب أن ينوبوا عنه، ويبلغوا لغيرهم من الأمم، فلذا قال لهم: "بلغوا عني ولو آية" ولا يمكن التبليغ لجميع الأمم إلا بالترجمة إلى لسانهم ([14]) " ([15]).
بقي القول بأن الترجمة اللفظية كلمة بكلمة من لغة إلى أخرى لأي تعبير كان ليست من قبيل الممكن، إذ كل لغة نظامها في القواعد والترتيب، وإنما يراد بالترجمة هنا: أداء المعنى المراد باللغة الأخرى، تبعاً لقواعدها إلى من لا يفهم لغة النص المترجم، يقول العلامة الحجوي رحمه الله أيضاً: "لا نريد بالترجمة إبدال كل لفظ بما يرادفه أو يقاربه في اللغة الأخرى، فهذا تبديل، وربما يقال عنه تحريف. لأن ما يظن من الترادف أو التقارب قد لا يكون،
فإنا نرى كثيراً من الألفاظ في لغتنا يظن ظانون أنها مترادفة، فإذا هي متخالفة، وإنما المراد: ترجمة المعنى الأصلي من كل جملة مع ما يتبعه من المعاني التي تقتضيها دقائق اللغة وبلاغتها بقدر الإمكان، وإن لم تكن الإحاطة بكل المعاني العظيمة التي احتوى عليها اللفظ المنزل من حكيم حميد، كما لا يمكن له الإتيان بما يشتمل عليه من طرق الإعجاز الراجعة
لفصاحته، وطلاوة لفظه ومتانة أسلوبه، ولطائف إشارته، وغير ذلك مما هو مقرر في وجوه إعجازه، كل ذل لا تفي به ترجمة كائن، ولا تطمح في
الوفاء به، لمكان الإعجاز الذي ينقضي الدهر ولا تنقضي عجائبه
وغرائبه ([16]).
صعوبة الترجمة:
تعد المحاولات المبذولة لترجمة معاني القرآن الكريم من أصعب المحاولات في ميدان الترجمة عموماً، فترجمة معنى آية كريمة واحدة بنقلها من النص القرآني المحكم البليغ إلى أي نص في لغة أجنبية تواجه صعوبات كبيرة، إذ يهتز المعنى الجميل الرائع ويفقد التركيب البلاغي للآية الكريمة رونقه ودقته، ويفرغ اللفظ من وقعه الجميل المؤثر ([17]).
إن إشكالية نقل المعنى في ترجمات القرآن ارتطمت على صخرة الإشكال اللساني المرتبط بالمثبطات المعجمية والدلالية والتركيبية أو الأسلوبية المشكلة لأس الإعجاز القرآني ([18]). يقول أحد المتخصصين في ترجمة القرآن الأستاذ صلاح الدين كرشيد – وهو مترجم لمعاني القرآن إلى الفرنسية – قال: "إني وجدت بالفعل صعوبات جمة في ترجمة بعض الكلمات القرآنية مثل الأمة، الحق، الفاسقون، اللطيف، البر، المعروف، المنكر، وحزب. بما لها من معان مختلفة .. ومع ذلك، وبالرغم من حرصي الشديد على ذكر كل التأويلات الممكنة للآية الواحدة، فلا يمكن للنص الفرنسي، أن يلم بكل المعاني التي توحي بها الآية القرآنية، ولكن الترجمة تمثل ما توصل إليه اجتهاد المترجم نفسه وفهمه الخاص، مما يقرب معاني القرآن من عقل القارئ بالفرنسية" ([19]).
ومن المسائل العويصة التي تقف عائقاً في طريق الترجمة ([20]):
- مسألة: الحروف المقطعة في أوائل السور.
- مسألة: غياب الترادف.
- مسألة: أسماء الله الحسنى.
- مسألة: اختلاف اللغة العربية وغيرها في التأنيث والتثنية.
- مسألة: الضمير هل هو عائد إلى اسم مذكر أو إلى اسم مؤنث؟
- مسألة: الأسماء التي ذكرت مرة واحدة أو الكلمات المعرَّبة مثل: (زمهرير) (زنجبيل) (بابل).
- مسألة: الآيات المتشابهات والمحكمات.
- مسألة: وجازة ألفاظه ووفرة معانيه.
- مسألة: ترجمة لفظ الجلالة.
¥