تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

- ويقول المفكر الألماني (هوبرت هيركومر) – وهو يحكي قصة أول ترجمة لاتينية لمعاني القرآن الكريم -: "يبدوا أن الصليبيين جنوداً وضباطاً – رفضوا الاعتراف بحقيقة انهم يواجهون إحدى ديانات التوحيد القريبة جداً من دياناتهم، في شهادتها المقرة بالله الواحد الأحد، والصلوات اليومية والصيام، والزكاة، كانت معرفة الصليبيين بالقرآن محدودة جداً. صحيح أن أول ترجمة لاتينية لمعاني القرآن ظهرت سنة 1143م بقلم (روبرت الكيتوني)، ولكن الأوروبيين كانوا يتطلعون إلى توظيف ترجمة معاني القرآن للطعن في الإسلام.

كان هذا الإنجليزي (روبرت الكيتوني) المستقر في مدينة طليطلة بإسبانيا يترجم تراث المسلمين في علمي الهندسة والفلك من العربية إلى اللاتينية، وأنجز هذا المشروع بتكليف من بطرس المبجل رئيس دير

مدينة كلوني (1092 أو 1094 – 1156م) واشترك في هذا المشروع مسلم اسمه محمد.

ولا شك في أن هذه الترجمة الدقيقة لمعاني القرآن بينت للغرب اللاتيني أيضاً أوجه التشابه بين القرآن والأناجيل، ولنتذكر فقط التبجيل العميق لسيدنا إبراهيم وسيدنا عيسى ومريم البتول في كل من المسيحية والإسلام، ومع ذلك لم يفكر أحد في ذلك الوقت في التوصل إلى حد أدنى من الاتفاق والتفاهم بين المسلمين والمسيحيين على أساس كتابيهما السماويين، ولم تغتنم الفرصة المتاحة مع توافر أول ترجمة لمعاني القرآن الكريم باللاتينية للتوصل إلى فهم أعمق وأدق للإسلام، وبدلاً من استخدامها وسيلة للتفاهم استغلت ترجمة (روبرت الكيتوني) اللاتينية لمعاني القرآن كمجرد ينبوع محبب للطعن في الإسلام على مدى قرون طويلة، وحتى بداية العصر الحديث لم يتغير من ذلك شيء، فعندما قام السويسري البازلي (يوحنا أوبورين) سنة 1542م بطبع هذه الترجمة اللاتينية سارعت بلدية مدينة بازل بخطر نشرها، ولم تسحب حظرها إلا بعد التدخل المكثف لمارتن لوثر مؤسس الكنيسة البروتستانتية الإصلاحية، بيد أن حجة لوثر في ذلك كما صاغها هو بنفسه، كانت كما يلي: "لقد استيقنت انه لا يمكن عمل شيء أكثر إزعاجاً لمحمد أو الأتراك، ولا أشد ضرراً – أشد من جميع أنواع السلاح – من ترجمة قرآنهم ونشره بين المسيحيين، عندئذ سيتضح لهم أي كتاب بغيض وفظيع وملعون هذا القرآن .. مليء بالأكاذيب والخرافات والفظائع".

إن لوثر البروتستانتي – الذي حاول توجيه إهانةٍ لنبي الإسلام بلا أدنى حياء أو تأنيب للضمير - كان ينظر إلى قرآن مترجم إلى اللاتينية في عصر الحروب مع الدولة العثمانية على أنه وسيلة مثالية لتسليح القلوب اليائسة للمسيحيين ورفع روحهم المعنوية، حيث أعلن قائلاً: "بعد ظهور الأتراك على حقيقتهم، أرى أن القساوسة عليهم أن يخطبوا الآن أمام الشعب عن فظائع محمد حتى يزداد المسيحيون عداوةً له، وأيضاً إيمانهم بالمسيحية، ولتتضاعف جسارتهم وبسالتهم في الحرب، ويضحوا بأموالهم وأنفسهم". من شأن موعظة كهذه أن يكون أثرها النفسي في المسيحي أشد من طبول الحرب وأبواقها، بل إنها ستمنحه قلب أسد حقيقي في ساحة القتال" ([48]).

المطلب الثالث: اتحاد رؤيتهم

يختلف المستشرقون، وتتباين أساليبهم وطرائقهم التي اعتمدوها في

الترجمة ولكن رؤيتهم تكاد تظل رؤية مقيدة ومتحدة، حتى لقد قال (ماكسيم ردونسون) منتقداً هذه الرؤية: "لقد أصبح النظر في عدم أصالة الإسلام واعتماده على الأديان السابقة ديدنا vogue بين عموم المستشرقين" ([49]).

من أجل ذلك فقد اعتمدوا منهجاً في الترجمة لا صلة له بالعلم

والبحث، يتسم بالقصور والخلل في المنهج، وهذه بعض معالمه نذكرها إجمالاً:

· إخضاع النصوص للفكرة التي يفرضونها حسب أهوائهم.

· التحكم فيما يفرضونه أو يقبلونه من النصوص.

· تحريف النص تحريفاً مقصوداً.

· تأويل معنى النص حين لا يجدون مجالاً للتحريف.

· حرصهم على تجاوز كل ما من شأنه أن يثبت أن القرآن كلام الله.

· تصيد النصوص الملائمة والموافقة لهواهم.

· الخلط بين شيء قليل مما هو مبثوث في المصادر وما كانت تمليه تخيلات وتكهنات المستشرقين.

ثم إنهم يسلكون في سبيل التأثير والإقناع مسالك خبيثة، حيث

"يعدون محاور التحريف ونقاط التشويه والإدانة، ثم يبنون عليها ترجماتهم حتى تأتي دليلاً على ما سبق وأعدوه من مخطط مغرض؟! " ([50]) كما أنهم يمهدون لعملهم هذا بكتابة دراسات ومقدمات لا تحصى عن القرآن

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير