لماذا يخفق المحاورون المسلمون في حواراتهم مع الآخر؟ سؤال يجيب عليه الدكتور حسن وجيه -الخبير الدولي في مجال التفاوض- مستلهمًا خبرته الواسعة في ذلك المجال؛ ومعددًا أسباب الإخفاق على الوجه التالي:
1) عدم انطلاق المحاورين المسلمين من إطار مؤسسي، يكون جامعًا وحاشدًا لهم. بمعنى آخر، إن انطلاقهم بشكل فردي يجعلهم عرضة للضعف والتفتت، وهو عكس ما يفعله المحاورون الغربيون الذين ينطلقون من أطر مؤسساتية قوية. إن المشكلة تتمثل في غياب "النظام" لدى المحاورين المسلمين، واعتمادهم بدلاً من ذلك على فنون "الفهلوة" و"الحكي".
2) عمل المحاورين المسلمين خارج الإيقاع؛ فيكون الحوار يتحدث في وادٍ، وهم يتحدثون في وادٍ آخر. فينتهي الحوار، ويظل البعض منهم يتساءل: من نحن؟.
3) استسلام المحاورين المسلمين إلى أسئلة "التفخيخ" التي يوجهها لهم المحاورون غير المسلمين، واستسلامهم للهجوم بالاعتذار بدلاً من التجاهل وتحويل الحوار إلى البناء والإيجابية.
4) اتجاه الكثير منهم نحو اتهام الأشخاص دون القضايا، مما يغلق باب الحوار من أوله.
5) تجاهلهم للحقيقة وعدم السماح لها باختراق مصفاتهم الذهنية.
6) عدم تقمصهم لدور الآخر، role reversal.
نجاح المُحاور
حتى يكون الحوار فعالاً ومؤثرًا ينبغي على المُحاور أو المفاوض معرفة مهارات بناء الحجج؛ وهي تلك المهارات التي كثيرًا ما تناولها الدكتور "سيد غانم" -أستاذ النظرية السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة- بإسهاب وإتقان شديدين في كتاباته ومحاضراته، حيث يقوم بسرد أنواع الحجج المختلفة، واصفًا كيفية استعمالها واستخدامها.
فيُفرق بين الحجج "الوصفية" التي تتعامل مع واقع ملموس مستقل ودقيق، حيث يستخدم فيها المُحاور "المثال" و"الإحصاءات" و"شهادة ذوي الخبرة"، وبين الحجج "التأويلية" القائمة على التعريف والتصنيف وربط الوقائع ببعضها البعض في إطار منظور واحد، والمعتمدة على براعة المُحاور في استخدام "المقارنات" و"العلل" و"التنبؤات"، وأخيرًا بين الحجج "التقويمية" التي تتعلق بالصالح والطالح، وليس بالنفع والضرر.
ومن ضمن علامات نجاح المُفاوض، قدرته على وزن تلك الحجج المختلفة وقياسها تبعًا لحالة الحوار؛ فيعرف متى تُستخدم الحجج "الوصفية"، ومتى "التأويلية"، ومتى "التقويمية". ولكن للأسف الشديد، ينفق المفاوض معظم وقته في الوصف، متجاهلاً التأويل والتقويم.
ومن علامات النجاح أيضًا، اتجاه المفاوض نحو النظرة الشمولية للآخر، شكلاً وموضوعًا. وكذلك اتجاهه نحو النظر إليه كلية، بعيوبه وميزاته. فالنظرة السطحية المتسرعة -كما يشير الدكتور "أحمد العقاد جاويش" أستاذ إدارة الأعمال بكلية بنها- تُفشل كثيرًا من قدرة المفاوض.
وأكثر ما يلفت الانتباه في أدبيات الدكتور "أحمد العقاد جاويش"، هو تركيبه لصفات الحيوانات على طباع البشر وسلوكياتهم، ثم إملاء طرق المعاملة التي ينبغي على المفاوض استخدامها مع كل صنف. فمثلاً، يوجد هناك صنف من البشر يتمثل في عزة وكرامة الحصان؛ وصنف آخر يتمثل في شراسة وعِند "الكلب الثور" bull dog؛ وصنف ثالث يتمثل في تكبر واستعلاء الزرافة؛ وصنف رابع يتمثل في مكر الثعلب وتصيده للأخطاء؛ وصنف خامس يتمثل في دلال الغزال ولكن أيضًا في سلبيته وتوتره وتردده وجبنه؛ وصنف سادس يتمثل في كسل وغباء فرس النهر؛ وصنف سابع يتمثل في انعزال القنفذ؛ وأخيرًا، صنف ثرثار مثل الضفدع.
وقد أشار الدكتور "جاويش" إلى ضرورة معاملة كل صنف المعاملة التي تلائمه وتناسبه بحيث تصب في مصلحة المُفاوض. فالإنسان "الحصان" لا يعامل إلا بالكرم والاحترام والتقدير حتى لا تُجرح عزة نفسه؛ والإنسان "الكلب الثور" لا يعامل إلا بالتجاهل وعدم الانفعال حتى لا يُستفز؛ والإنسان "الزرافة" لا يعامل إلا بمنحه قدرًا من وضعه مع إحراجه وكسر أنفه بعض الشيء حتى لا يزداد في استعلائه وتكبره؛ والإنسان "الثعلب" لا يعامل إلا بانتهاج الصواب معه على طول الخط حتى لا يُعطى فرصة لتصيد الأخطاء؛ والإنسان "الغزال" لا يعامل إلا بوضع بديل واحد أمامه حتى لا ينهار من كثرة البدائل التي تزيد من توتره؛ والإنسان "فرس النهر" لا يعامل إلا بالاستقطاب الذي يخرجه من كسله ونومه؛ والإنسان "القنفذ" لا يعامل إلا بالتشجيع وتكليفه بمهام تزيد من
¥