تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[محاور التزيين في عمل الشيطان؟]

ـ[أحلام]ــــــــ[24 - 03 - 2006, 12:13 ص]ـ

يعمل الشيطان في تزيينه العمل لأعدائه على محورين أساسيين هما: تحبيب الباطل إلى النفس، والتنفير من الحق، يقول ابن القيّم: " ومن مكايده أنه يسحر العقل دائماً حتى يكيده ... فيزين له الفعل الذي يضرّه حتى يُخيل إليه أنه أنفع الأشياء، ويُنفِّره من الفعل الذي هو أنفع الأشياء له حتى يُخيل له أنه يضرّه ... فهو الذي سحر العقول حتى ألقى أربابها في الأهواء المختلفة ... وزيّن لهم عبادة الأصنام، وقطيعة الأرحام، ووأد البنات، ونكاح الأمهات، ووعدهم الفوز بالجنات، مع الكفر بصفات الرب تعالى وعلوه وتكلمه بكتبه ووضعهم ذلك في قالب التنزيه، وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في قالب التودد إلى الناس، وحسن الخلق معهم، والعمل بقوله ... عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ ... والإعراض عما جاء به الرسول – صلى الله عليه وسلم – في قالب التقليد، والاكتفاء بقول من هو أعلم منهم، والنفاق والمداهنة في دين الله في قالب العقل المعيشي الذي يندرج به العبد بين الناس "

وقد أورد القرآن كثيراً من تلك الأمثلة التي زيّن فيها الشيطان الكفرَ والباطلَ لأعدائه فاتبعوه على ما أراد، فهؤلاء قوم سبأ يعبدون الشمس من دون الله، فيقرر الحق سبحانه وتعالى أنّ هذه الفعلة الشنعاء إنما هي من تزيين الشيطان يقول تعالى على لسان الهدهد: وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ فالشيطان زيّن لهم ما هم فيه من الكفر، وصدّهم عن طريق التوحيد.

وفي سورة النحل يقسم الحق سبحانه على هذه الحقيقة ليؤكد لكل شاكِّ دور الشيطان في ضلال البشر فيقول: تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ " أي حسن لهم الشيطان ما كانوا عليه من الكفر بالله وعبادة الأوثان مقيمين، حتى كذبوا رسلهم، وردّوا عليهم ما جاءوهم به من عند ربهم " ().

وفي خضم هذا التيار الجارف من تزيين الباطل، والذي لا ينفك الشيطان عن إرساله على أعدائه، يحمل إليهم المحور الآخر من التزيين، وهو ليس تزييناً مباشراً للعمل، بل هو لازم ذلك التزيين، وهو المحور الثاني الذي ذكرناها قبيل قليل، ألا وهو التنفير من الحق، فصاحب الهوى وحبّ الدنيا بعيد بالضرورة عن الحق وحبه، بل إن الشيطان يعمد في بعض الأحيان إلى بدأ رحلة الخطوات مع المؤمنين خاصة بالتنفير من اتباع الحق، ومن إظهار الخير في غير اتباعه، أما على وجه العموم فهو يعمد إلى تزيين الباطل أولاً مما يؤدي إلى التنفير من الحق لطائف في تزيين الشيطان:

مرّ بنا قوله تعالى: وَعَاداً وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ)، في معرض الحديث عن حبّ الدنيا، ولكننا نقف هنا وقفة تأمل وتدبر لفاصلة الآية (مستبصرين) فهي تدل على أن هؤلاء الأقوام كانوا أولي ألباب وبصائر، وقد وهبهم الله دقة النظر والتفكير يقول الفراء: " كانوا عقلاء ذوي بصائر " ()، ويقول الزمخشري: " وكانوا مستبصرين عقلاء متمكنين من النظر والافتكار، ولكنهم لم يفعلوا أو كانوا متبينين أن العذاب نازل بهم لأن الله تعالى قد بين لهم على ألسنة الرسل عليهم السلام، ولكنهم لجوا حتى هلكوا " ()، فهذان قومان من أكبر وأشهر الأقوام البائدة، يمنحهم الله العقل وسداد النظر، فيأتيهم الشيطان من هذا الباب، باب العقل، فيغريهم بعقولهم فيلجِّوا ويجادلوا فيهلكوا، وما أريد أن أقوله أنّ هذا باب كبير واسع من أبواب تزيين الشيطان العمل للإنسان، فكم من علماء ومفكرين وأدباء سقطوا في مراتع عقولهم لما تركوا الاحتكام إلى شرع الله، فالشيطان يأتي لمثل هؤلاء من باب تزيين قوة العقل، ويدعوا إلى الافتتان بها، وما تلك الأفكار الباطلة التي انتشرت في عالمنا اليوم، أمثال الشيوعية، والوجودية، وتحرير المرأة والرأسمالية وغيرها إلا مثال حيّ على فتنة العقل أهلَه بتزيين الشيطان، فكم من مفكر غره عقله حتى أوصله إلى الهلاك والكفر بالله، فهذه فتنة جرفت كثيراً من البشر في غمارها في عصرنا هذا، وإنما كل ذلك من تزيين الشيطان.

منقول للفائدة

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير