((مثلهم كمثل الذي استوقد ناراً))
ـ[الهنوف ابراهيم]ــــــــ[30 - 03 - 2006, 07:05 م]ـ
:::
قال تعالى: ((مثلهم كمثل الذي استوقد ناراً فلما اضائت ما حوله ذهب الله بنوره فتركهم في ظلمات لا يبصرون))
ارجو من الاخوه مساعدتي بقدر المستطاع على شرح الايه وذلك باخراج الصور البيانية من تشبيه وغيره، وصياغتها باسلوب جيد.
شاكره لكم حسن تعاونكم.:)
ـ[لؤي الطيبي]ــــــــ[30 - 03 - 2006, 11:44 م]ـ
الأخت الهنوف إبراهيم - حفظها الله ..
اعلمي أن أساس إعجاز القرآن في بلاغة نظمه. وبلاغة النظم على قسمين: قسم كالحلية وقسم كالحلّة.
فالأول كاللآليء المنثورة والزينة المنشورة والنقش المرصّع، ومعدنه الذي يتحصّل منه هو توخّي المعاني النحوية الحرفية فيما بين الكلم، كإذابة الذهب بين أحجار فضّة، وثمرات هذا النوع هي اللطائف التي تعهّد بيانها فنّ المعاني.
والقسم الثاني هو كلباس عالٍ وحلّة فاخرة قُدّت من أسلوب على مقدار قامات المعاني، وخيطت من قطاعات خيطاً منتظماً، فيلبس على قامة المعنى أو القصّة أو الغرض دفعه، وصناع هذا القسم والمتكفّل به فنّ البيان. ومن أهمّ مسائل هذا القسم التمثيل.
ولقد أكثر القرآن الكريم من التمثيلات إلى أن بلغت الألف .. وممّا يحوِّج الى التمثيل عمق المعنى ودقته ليتظاهر بالتمثيل، أو تفرّق المقصد وانتشاره ليرتبط به.
ثم اعلمي أن مدار النظر في قوله تعالى: {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّا أَضَاءتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ * صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ} [البقرة: 17 - 18]: أولاً: نظمها بسابقها، وثانياً: النظم بين جملها، وثالثاً: نظم كيفية جملة جملة.
فمع استحضار ما مضى - اعلمي - أن القرآن الكريم لما صرّح بحقيقة حال المنافقين، ونصّ على جنايتهم عقّبها بالتمثيل لثلاث نكت:
إحداها: تأنيس الخيال الذي هو أطوع للمتخيلات من المعقولات، وتأمين إطاعة الوهم الذي شأنه التشكيكات ومعارضة العقل وانقياده بإظهار الوحشي بصورة المأنوس، وتصوير الغائب بصورة الشاهد.
والثانية: تهييج الوجدان وتحريك نفرته ليتّفق الحسُّ والفكر بتمثيل المعقول بالمحسوس.
والثالثة: ربط المعاني المتفرّقة وإراءة رابطة حقيقية بينها بواسطة التمثيل. وأيضاً الوضع نصب عين الخيال ليجتني بالنظر الدقائق التي أهملها اللسان.
واعلمي - أن مآل جمل هذه الآية كما يناسب مآل مجموع قصة المنافقين؛ كذلك يناسب آية آية منها. ألا ترين أن مآل القصّة أنهم آمنوا صورة للمنافع الدنيوية، ثم تبطنوا الكفر، ثم تحيّروا وتردّدوا، ثم لم يتحرّوا الحق، ثم لم يستطيعوا الرجوع فيعرفوا.
وما أنسب هذا بحال من أوقدوا لهم ناراً أو مصباحاً .. ثم لم يحافظوا عليها .. ثم انطفأت .. ثم اُظلموا .. ثم لا يتراءى لهم شيء حتى يكون كل شيء معدوماً في حقهم. فلسكون الليل كأنهم صمّ، ولتعامي الليل وانطفاء أنواره كأنهم عُميٌ، ولعدم وجود المخاطَب والمغيث لايستغيثون كأنهم بُكم، ولعدم استطاعة الرجوع كأنهم أشباح جامدة لا أرواح لها.
ثم إن في المشبَّه به نقطاً أساسية تناظر النقط الأساسية في المشبَّه. مثلاً: الظلمة تنظر إلى الكفر، والحيرة إلى التذبذب، والنار إلى الفتنة.
فإن قلت: إن في التمثيل نوراً، فأين نور المنافق حتى يتم تطبيق التمثيل؟
قيل لك: إن لم يكن في الشخص نور ففي محيطه يمكن له الاستنارة .. وإن لم، ففي قومه يمكن الاستضاءة .. وإن لم، ففي نوعه يمكن له الاستفادة .. وإن لم، ففي فطرته كان يمكن له الاستفاضة .. وإن لم تقنعي، ففي لسانه بالنظر إلى نظر غيره أو بالنظر إلى نفسه لترتب المنافع الدنيوية .. وإن لم، فباعتبار البعض من الذين آمنوا ثم ارتدوا .. وإن لم، فيجوز أن يكون النور إشارة إلى ما استفادوا كما أن النار إشارة إلى الفتنة. وإن لم تقنعي بهذا أيضاً، فبتنزيل إمكان الهداية منزلة وجودها كما أشار إليه اشتروا الضلالة بالهدى فإنه هو الجار الجنب للتمثيل.
¥