تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[زوج بهيج .. وزوج كريم]

ـ[لؤي الطيبي]ــــــــ[26 - 05 - 2006, 02:24 ص]ـ

إنّ الزوجية إحدى السنن الكونية الشاملة لجميع الخلق ولكلّ شيء. وقد بثها الخالق المبدع سبحانه وتعالى في كلّ الموجودات المعلومة (وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ) [الذاريات: 49] وغير المعلومة (سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ) [يس: 36].

وقد نبّه القرآن العظيم إلى حسن هذه الحقيقة الجمالية في مجالات عدّة: منها في زوجية الإنسان (ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى * فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى) [القيامة: 38 - 39]. ومنها في زوجية النبات (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّن نَّبَاتٍ شَتَّى) [طه: 53]. ومنها فيما نعلم وما لا نعلم من كلّ شيء في الأرض وبطون البحار وأجواء السماء من أصغر الموجودات إلى أضخمها، ومن أكثرها تألقاً وسنى إلى أدناها حسناً وجمالاً.

والزوجية تعني جمالياً: التناسب بين اثنين من الموجودات والمخلوقات، تناسباً يشي بقرب صفات الأول للثاني، وتمازج سماتهما بحيث يثمران أو يتوازنان وينسجمان.

وقد أعلن القرآن الكريم جمالية النبات في أزواجها، ووصف ثنائيتها بالبهجة مرة، وبالكرم مرة أخرى.

فقال تعالى في الأولى: (وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ) [الحج: 5]، وقال تعالى: (أَفَلَمْ يَنظُرُوا إِلَى السَّمَاء فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ * وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ) [ق: 6 - 7].

وقال تعالى في الثانية: (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ) [الشعراء: 7]، وقال سبحانه: (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ) [لقمان: 10].

فما الفرق بين التعبيرين؟

قد يبدو للوهلة الأولى أنّ الزوج البهيج ذو خاصيّة جمالية مقصودة لذاتها، وأنّ الزوج الكريم ذو خاصيّة معطاءة مقصودة لذاتها قبل كلّ شيء. ولكن تتبّع سياق النوعين من الأزواج متقارب ودقيق، وربّما تفترق الأزواج عن بعضها بفارق واحد هو في الاستدلال الفكري القائم على الجانب الجماليّ فيه.

فالزوج البهيج: مشهد جماليّ لتحقيق الإيمان بالبعث يوم القيامة.

والزوج الكريم: مشهد جماليّ لتحقيق الإيمان بالله تعالى وقدرته.

فالله تعالى يقول: (فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ) ويعقّب عليها بقوله سبحانه: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَّا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَن فِي الْقُبُورِ) [الحج: 6 - 7].

وكذلك في الآية الثانية: (أَفَلَمْ يَنظُرُوا إِلَى السَّمَاء فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ * وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ) [ق: 6 - 7] فقد تقدّمتها آية البعث وموقف الكافرين منه: (أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ) [ق: 3]. وإذن فإنّ الزوجية البهيجة في كلتا الآيتين والمشهدين مرتبطة بعقيدة البعث والقدرة على الإحياء يوم القيامة.

أما الزوجية الكريمة فهي على جمالها قد أشارت الآية الأولى منها إلى الإيمان بالله تعالى: (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) [الشعراء: 7 - 9]. فالزوجية الكريمة هنا متسقة مع العبرة الفكرية التي تعلن كفر أكثر الناس بالله العزيز الرحيم. والزوجية الكريمة الثانية أصرح في الدلالة على هذه القضيّة الفكرية، حيث جاء فيها: (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ * هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ) [لقمان: 10 - 11]، فالزوجية الكريمة هنا مرتبطة فكرياً بالتحدّي القرآني في استحالة الشرك لله ..

فسبحان الله الذي زيّن السماء وبرّأها من العيوب ..

ومدّ الأرض وأرساها بالجبال ..

وأنبت فيها من كلّ زوج بهيج .. ومن كلّ زوج كريم ..

وأنشأ الجنّات والحبّ والنخيل الباسقات ..

آمنا به وببعثه يوم المعاد ..

فهو وحده الخالق العزيز الرحيم ..

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير