ملامح الوسطيَّة في هذه الأمة الخيرة
ـ[أحلام]ــــــــ[29 - 05 - 2006, 05:25 م]ـ
ملامح الوسطيَّة
للوسطيَّة ملامح وسمات تحفّ بها، وتُميِّزها عن غيرها، بمجموع تلك الملامح لا بآحادها.
وقد توصّلت إلى تحديد أهمّ تلك السّمات والملامح، باستقراء القرآن الكريم، وما ورد في وسطيَّة هذه الأمَّة بين الأمم، وكذلك ما كتبه بعض الذين بحثوا في الوسطيَّة.
إنَّ تحديد هذه الملامح مهمّة أساسيَّة في مثل هذا البحث، حتى لا تكون الوسطيَّة مجالا لأصحاب الأهواء وأرباب الشّهوات.
ذلك أنَّ الوسطيَّة مرتبة عزيزة المنال، غالية الثَّمن، كيف لا وهي سمة هذه الأمَّة، ومحور تميّزها بين الأمم؟! جعلها الله خاصيَّة من خصائصها، تكرّمًا منه وفضلا (ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) (الحديد: من الآية21).
إنَّ أهمّ سمات الوسطيَّة ما يلي:
(أ) الخيريَّة.
(ب) الاستقامة.
(جـ) اليسر ورفع الحرج.
(د) البينيَّة.
(هـ) العدل والحكمة.
وكل سمة من هذه السّمات يندرج تحتها عدد من آحادها.
وسأعرض لكل سمة بما يُناسب المقام، ويفي بالغرض، والله الموفّق والمعين.
وأحسب أنَّ هذه الملامح بمجموعها تصلح ضابطًا لتحديد الوسطيَّة ومعرفتها، بما يجيب عن السّؤال الذي لا بدّ أن يرد في أذهان الكثيرين:
أين ضابط الوسطيَّة؟ وكيف نميزّها عن غيرها؟
أولا: الخيريَّة
قال الله - تعالى - في سورة البقرة: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ) (البقرة: من الآية143) وقال في سورة آل عمران: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) (آل عمران: من الآية110) وقد ذكرت أن من معاني الوسطيَّة الخيريَّة، قال ابن كثير - رحمه الله -: والوسط هنا: الخيار والأجود، كما يقال لقريش أوسط العرب نسبًا ودارًا، أي خيرها ().
وفي تفسيره لقوله - تعالى -: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) (آل عمران: من الآية110) قال: يعني خير النَّاس للنّاس، والمعنى: أنَّهم خير الأمم وأنفع النَّاس للنَّاس، إلى أن قال: كما في الآية الأخرى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً) (البقرة: من الآية143) أي خيارًا ().
وقال الطبري: مقرّرًا خيريَّة هذه الأمَّة (أمَّة الوسط): فإن سأل سائل فقال: وكيف قيل: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ) (آل عمران: من الآية110)؟ وقد زعمت أن تأويل هذه الآية أن هذه الأمَّة خير الأمم التي مضت، وإنَّما يقال: كنتم خير أمَّة لقوم كانوا خيارًا فتغيّروا عمّا كانوا عليه؟!
قيل: إن معنى ذلك بخلاف ما ذهبت إليه، وإنَّما معناه أنتم خير أمَّة، كما قيل: (وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ) (الأنفال: من الآية26) وقد قال في موضع آخر: (وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ) (الأعراف: من الآية86) فإدخال كان في مثل هذا وإسقاطها بمعنى واحد، لأنّ الكلام معروف معناه.
ولو قال - أيضًا - في ذلك قائل: (كُنْتُمْ) (الأعراف: من الآية86) بمعنى التَّمام، كان تأويله: خلقتم خير أمَّة، أو وجدتم خير أمَّة، كان معنى صحيحًا ().
وفي تفسيره لقوله - تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً) (البقرة: من الآية143) قال: وأمّا التّأويل فإنَّه جاء بأن الوسط العدل، وذلك معنى الخيار، لأنَّ الخيار من النَّاس عدولهم ....
وللبحث بقية
عن كتاب الوسطية في ضوء القرآن الكريم ---ناصر العمر