"إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ "
ـ[سليم]ــــــــ[09 - 09 - 2006, 09:54 م]ـ
:::
اللهم صل ّّّعلى سيدنا محمد عدد مايرضيك وصلّ عليه عدد ما لا يحصيه إلا أنت واجعله شافعا لنا في عرصات يوم القيامة وعند الميزان وعند الصراط واحشرنا في زمرته واجمعنا معه في الجنة.
بمناسبة إقتراب أفضل الشهور ,شهر الفضيلة والخير والحبور, شهررمضان الذي أُنزل فيه القرآن, وتُصفد فيه الشياطين ويعم الايمان, ترفع فيه الرذيلة والنكران, أقدم اليكم هذه:
يقول الله تعالى في سورة القدر:" إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3)
تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5) ".
قوله تعالى:"نزَلْنَاهُ" دون ذكر القرآن صراحة يدل عظم الخبر من ثلاثة اوجه:
1.إسناد التنزيل الى الله عزوجل
2.شهادة له بالنباهة والاستغناء عن التصريح لشهرته
3.تعظيم الوقت الذي أنزل فيه. (الرازي)
وقوله تعالى:"لَيْلَةِ الْقَدْرِ ",يدل على ان التنزيل كان في الليل ,والقدر: في اللغة بمعنى التقدير، وهو جعل الشيء على مساواة غيره من غير زيادة ولا نقصان، وقد اختلف في تسمية الليلة بليلة القدر فقيل: أنها ليلة تقدير الأمور والأحكام، قال عطاء، عن ابن عباس: أن الله قدر ما يكون في كل تلك السنة من مطر ورزق وإحياء وإماتة إلى مثل هذه الليلة من السنة الآتية.
وقيل نقلًا عن الزهري أنه قال: ليلة القدر ليلة العظمة والشرف من قولهم لفلان قدر عند فلان، أي منزلة وشرف، ويدل عليه قوله:" لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مّنْ أَلْفِ شَهْر".
وقيل ايضًا: ليلة القدر، أي الضيق فإن الأرض تضيق عن الملائكة.
والقول الثاني هو الذي ارجحه لقوة إحتماله حيث قال الرازي: ثم هذا يحتمل وجهين أحدهما: أن يرجع ذلك إلى الفاعل أي من أتى فيها بالطاعات صار ذا قدر وشرف وثانيهما: إلى الفعل أي الطاعات لها في تلك الليلة قدر زائد وشرف زائد، وعن أبي بكر الوراق سميت: ليلة القدر لأنه نزل فيها كتاب ذو قدر، على لسان ملك ذي قدر، على أمة لها قدر، ولعل الله تعالى إنما ذكر لفظة القدر في هذه السورة ثلاث مرات لهذا السبب. اهـ
ثم قال تعالى:"وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ" يعني ولم تبلغ درايتك غاية فضلهاومنتهى علو قدرها.
واما قوله تعالى:" لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مّنْ أَلْفِ شَهْر",قال إبن عاشور:"وتفضيلها بالخَيْر على ألف شهر. إنما هو بتضعيف فضل ما يحصل فيها من الأعمال الصالحة واستجابة الدعاء ووفرة ثواب الصدقات والبركة للأمة فيها، لأن تفاضل الأيام لا يكون بمقادير أزمنتها ولا بما يحدث فيها من حَر أو برد، أو مطر، ولا بطولها أو بقصرها، فإن تلك الأحوال غير معتدّ بها عند الله تعالى ولكن الله يعبأ بما يحصل من الصلاح للناس أفراداً وجماعات وما يعين على الحق والخير ونشر الدين. وقد قال في فضل الناس:" إن أكرمكم عند اللَّه أتقاكم " [الحجرات: 13] فكذلك فضل الأزمان إنما يقاس بما يحصل فيها لأنها ظروف للأعمال وليست لها صفات ذاتية يمكن أن تتفاضل بها كتفاضل الناس ففضلها بما أعدّه الله لها من التفضيل كتفضيل ثلث الليل الأخير للقربات وعدد الألف يظهر أنه مستعمل في وفرة التكثير كقوله: «واحد كألف» وعليه جاء قوله تعالى:" يود أحدهم لو يعمر ألف سنة " [البقرة: 96] وإنما جعل تمييز عدد الكثرة هنا بالشهر للرعي على الفاصلة التي هي بحرف الراء.
وقوله تعالى:"تَنَزَّلُ الْمَلاَئِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ * سَلاَمٌ هِيَ حَتَّى? مَطْلَعِ الْفَجْرِ",أن تنزل الملائكة إلى الأرض. ونزول الملائكة إلى الأرض لأجل البركات التي تحفهم. و {الروح}: هو جبريل، أي ينزل جبريل في الملائكة.
ومعنى " بإذن ربهم " أن هذا التنزل كرامة أكْرم الله بها المسلمين بأن أنزل لهم في تلك الليلة جماعات من ملائكته وفيهم أشرفهم وكان نزول جبريل في تلك الليلة ليعود عليها من الفضل مثل الذي حصل في مماثلتها الأولى ليلة نزوله بالوحي في غار حِراء.
وجملة: "سلام هي حتى مطلع الفجر " بيان لمضمون " من كل أمر " وهو كالاحتراس لأنّ تنزّل الملائكة يكون للخير ويكون للشر لعقاب مكذبي الرسل قال تعالى:" ما تنزَّلُ الملائكةُ إلا بالحق وما كانُوا إذاً منظرين".
ويطلق السلام على التحية والمِدحة، وفسر السلام بالخَيْر، والمعنيان حاصلان في هذه الآية، فالسلامة تشمل كل خير لأن الخيْر سلامة من الشر ومن الأذى، فيشمل السلامُ الغفرانَ وإجزال الثواب واستجابة الدعاء بخير الدنيا والآخرة. والسلام بمعنى التحية والقول الحسن مراد به ثناء الملائكة على أهل ليلة القدر كدأبهم مع أهل الجنة فيما حكاه قوله تعالى:
" والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلامٌ عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار ".
وقوله تعالى:" حتى مطلع الفجر " غاية لما قبله من قوله: " تنزل الملائكة " إلى " سلام هي ".
والمقصود من الغاية إفادة أن جميع أحيان تلك الليلة معمورة بنزول الملائكة والسلامة، فالغاية هنا مؤكدة لمدلول
" ليلة ", [القدر: 1] لأن الليلة قد تطلق على بعض أجزائها كما في قول النبي صلى الله عليه وسلم " من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذَنْبه "، أي من قام بعضها، فقد قال سعيد بن المسيب: من شهد العشاء من ليلة القدر فقد أخذ بحَظه منها. يريد شهدها في جماعة كما يقتضيه فعل شهد، فإن شهود الجماعة من أفضل الأعمال الصالحة. اهـ
¥