[الانتقال من الدليل إلى الدليل عجز!!!]
ـ[عبير نور اليقين]ــــــــ[26 - 08 - 2006, 11:43 ص]ـ
ذكر البيانيون في قواعدهم، أن شرط إعجاز دعوات الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، السلامة من المعارضة .. وقد استوقفتني آية كريمة جرى فيها تحد بين إبراهيم الخليل عليه السلام ونمرود، نقل الله تعالى فيها الحوار الذي دار بينههما فقال جل وعز: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) [البقرة: 258] وهو كلام إبراهيم، وقد تحدى إبراهيم نمرود بإحياء الأموات فكانت حيلة نمرود المعروفة! ثم انتقل إبراهيم بخصهم إلى ضرب ثان من التحدي .. وهذا موضع الشاهد عندي. فقد ذكر ابن رشد الحفيد في مقدماته هذا السؤال، كيف اتنقل إبراهيم من دليل إلى آحر؟! وقد تقرر في باب البيان، أن ذلك ملمح من ملامح العجز .. اللهم اجبر زللي وسد خللي
ـ[لؤي الطيبي]ــــــــ[26 - 08 - 2006, 01:09 م]ـ
إنّ إبراهيم عليه السلام لم يعدل إلى لون آخر من الحُجّة بسبب عجزه عن إفحام خصمه بالدليل العقليّ، وإنّما كان ذلك لأنّه تبيّن له عليه السلام بلادة عقل هذا الطاغية الجهول وجمود ذهنه، وأنّه ليس لديه صلاحية إدراك المعقولات الخالصة، لأنّه مغلق الشعور القلبي، مغلف الإدراك الوجداني، لا يؤمن إلا بما يحسّه بمنافذ الحسّ الماديّ لعجز تكوينه العقلي عن النفوذ إلى ما وراء الحسّ الماديّ، أو لقيام موانع من المؤثّرات الماديّة التي تحجب العقل عن الفهم والإدراك، أو كانت لا تحجبه، ولكنّها تحول بينه وبين الاعتراف بمدركاته.
ولمّا كان واجباً في شرعة العدل الإلهي أن ينتقل به إلى ما يلائمه من أنواع الحُجّة والبرهان، عدل به إبراهيم عليه السلام إلى لون آخر من الحُجّة ليستوفي معه طرائقها قطعاً لعذره.
وتلك الحُجّة التي عدل إليها إبراهيم عليه السلام هي لون من البرهان يشترك في إدراكه العقل والحسّ، فالعقل يدرك بخصّيصته التجريدية المعقول الخالص، ويدرك المحسوس بخصّيصته المتعاونة مع الحسّ، فإدراكه مزدوج شامل، أمّا الحسّ فإنّه يدرك بمنافذه من الحواسّ ما يقع تحت حكم هذه الحواسّ.
وفي هذا العدول عن الحُجّة الأولى مع قيامها في صدقها وباهر آيتها تسفيه سلبيّ لعقل ذلك الكافر المتجبّر في الأرض، وإظهار لعجزه البليد عن التفكّر في معنى الإحياء والإماتة اللتين هما صفة الألوهية الحقّة، وتحقّق هذا المعنى في نفسه، ونفس من يولد ثم يموت من قومه كلّ لحظة، بل في ولادة كلّ حيّ وموته.
فالله تعالى يُحيي كلّ حيّ ويُميت كلّ ميّت، وهذا الطاغية الجهول يعلم يقيناً أنّه لا يملك هذا العموم الشامل في الإحياء والإماتة، ولو بمعناهما الحركيّ الذي ظنّه إحياء وإماتة.
ولهذا جاءت الحُجّة الثانية تنزّلاً في المحاجّة إلى المستوى الذي يناسب الخصم، وفيها إشارة إلى موطن البرهنة في الحُجّة الأولى التي لم يفهما الذي كفر.
يقول الأستاذ محمد الصادق عرجون - رحمه الله: إنّ الحُجّة القرآنية إذا لم تُفهم لبعض الناس، فلا يرتفع بها الاحتجاج لصلاحيّتها في ذاتها للبرهنة إذا نظر فيها عقل غير محجوب عن إدراك مناطها. فالاحتجاج بالإحياء والإماتة قائم صادق، والانتقال عنه إنّما كان لأمرين:
الأمر الأول: بيان موطن دلالته من طريق القياس على فعل لا يشتبه في حصوله من القادر المختار، وأنّ أحداً سواه لا يقدر عليه، وفي ذلك بيان لخطأ فهم الإحياء والإماتة عند هذا الكافر الجاهل - أي النمرود - في قوله: (أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ) وفيه بيان لمعنى الإحياء والإماتة اللذين هما من خصائص الألوهية الحقّة في مقام الاستدلال على وجود الله وقدرته.
الأمر الثاني: إقامة دليل آخر في صورة تلائم مدارك الخصم، ولا يملك له ردّاً، قال إبراهيم: (فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ) والإتيان بالشمس من المشرق فعل في كائن عظيم يُرى ويُحسّ وهو فعل إبداعي، لا يقدر عليه إلا الربّ الإله الحقّ القادر المختار، ونظيره معارضه، وهو الإتيان بالشمس من المغرب، وهو أيضاً - لو كان - فعل إبداعي لا يقدر عليه إلا الربّ الإله الحقّ القادر المختار.
ـ[محمد ماهر]ــــــــ[26 - 08 - 2006, 02:16 م]ـ
الأخوان الكريمان جزاكما الله خيراً على هذا السؤال، والإجابة ... وبارك الله بكما
ـ[عبير نور اليقين]ــــــــ[27 - 08 - 2006, 11:13 ص]ـ
ما شاء الله تعالى!!! أضحك الله سنك وأدام عزك أثلج صدرك .. والله لا أملك من الكلام إلا ما نُقل: .. قطعت جهيزة قول كل خطيب؟!