تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[(ومكروا ومكر الله)]

ـ[أيمن الدوسري]ــــــــ[09 - 09 - 2006, 07:57 م]ـ

قيل: أنه من باب المشاكلة، أي لا يجوز أن يوصف الله بالمكر إلا لأجل ما ذُكر معه من لفظ آخر مسند لمن يليق به. أي أن نسبة المكر إلى الله من حيث الصورة لا من حيث المعنى.

وقد جاء ذلك من غير مشاكلة في قوله: (أفأمنوا مكر الله، فلا يأمن مكر الله)

قال ابن عطية: (ومعنى " مَكْر الله " أي إضافة المخلوق إلى الخالق كقولهم: ناقة الله وبيت الله، والمراد به فعل يعاقب به الكفرة، وأًضيف إلى الله لما كان عقوبة الذنب، فإن العرب تسمي العقوبة على اي جهة كانت باسم الذنب الذي وقعت عليه العقوبة، وهذا نص في قوله: (ومكروا ومكر الله))

السؤال هل هناك فرق بين التفسيرين للآية الكريمة: (ومكروا ومكر الله)؟ أم أنهما واحد

ـ[د. حجي إبراهيم الزويد]ــــــــ[11 - 09 - 2006, 12:26 ص]ـ

أشار الفخر الرازي في تفسيره إلى أصل معنى المكر, فقال:

" أصل المكر في اللغة، السعي بالفساد في خفية ومداجاة، قال الزجاج: يقال مكر الليل، وأمكر إذا أظلم، وقال الله تعالى:

{وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ} [الأنفال: 30]

وقال: {وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُواْ أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ} [يوسف: 102]

وقيل أصله من اجتماع الأمر وإحكامه، ومنه امرأة ممكورة أي مجتمعة الخلق وإحكام الرأي يقال له الإجماع والجمع قال الله تعالى:

{فَأَجْمِعُواْ أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءكُمْ} [يونس: 71]

فلما كان المكر رأياً محكماً قوياً مصوناً عن جهات النقص والفتور، لا جرم سمي مكراً. " (1)

ثم أشار إلى الأراء المتعلقة بمعنى (المكر) فيما يرتبط بالله سبحانه وتعالى, حيث قال:

" المكر عبارة عن الاحتيال في إيصال الشر، والاحتيال على الله تعالى محال فصار لفظ المكر في حقه من المتشابهات وذكروا في تأويله وجوهاً:

أحدها: أنه تعالى سمى جزاء المكر بالمكر، كقوله:

{وَجَزَاء سَيّئَةٍ سَيّئَةٌ مّثْلُهَا} [الشورى: 40]

وسمى جزاء المخادعة بالمخادعة، وجزاء الاستهزاء بالاستهزاء.

والثاني: أن معاملة الله معهم كانت شبيهة بالمكر فسمي بذلك.

الثالث: أن هذا اللفظ ليس من المتشابهات، لأنه عبارة عن التدبير المحكم الكامل ثم اختص في العرف بالتدبير في إيصال الشر إلى الغير، وذلك في حق الله تعالى غير ممتنع والله أعلم. " (2)

في اللسان " (مكر) الليث: المَكْرُ احتيال في خُفية ..... قال الله تعالى: {ومكروا مكراً ومكرنا مكراً وهم لا يشعرون.} قال أَهل العلم بالتأْويل: المكر من الله تعالى جزاء سُمي باسم مكر المُجازَى كما قال تعالى: " وجزاء سيئة سيئة منها} فالثانية ليست بسيئة في الحقيقة ولكنها سميت سيئة لازدواج الكلام وكذلك قوله تعالى: {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا علي} فالأَول ظلم والثاني ليس بظلم ولكنه سمي باسم الذنب ليُعلم أَنه عِقاب عليه وجزاءٌ به ويجري مَجْرَى هذا القول قوله تعالى: {يخادعون الله وهو خادعهم} و {الله يستهزئ بهم} " (3)

قال صاحب مجمع البيان مشيرا إلى معنى المكر في قوله تعالى: {أفأمنوا مكر الله} - الأعراف 99

" ... وسمي العذاب مكراً لنزوله بهم من حيث لا يعلمون كما أنّ المكر ينزل بالممكور به من جهة الماكر من حيث لا يعلمه. وقيل: إن مكر الله استدراجه إياهم بالصحة والسلامة وطول العمر وتظاهر النعمة. " (4)

وقال الألوسي في روح المعاني, عند شرحه للآية: {أفأمنوا مكر الله} - الأعراف 99

" والمكر في الأصل الخذاع ويطلق على الستر يقال: مكر الليل أي ستر بظلمته ما هو فيه، وإذا نسب إليه سبحانه فالمراد به استدراجه العبد العاصي حتى يهلكه في غفلته تشبيهاً لذلك بالخداع. " (5)

وقال صاحب الميزان عند قوله تعالى: {أفأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون}:

" مكر به مكراً أي مسه بالضرر أو بما ينتهي إلى الضرر وهو لا يشعر وهو إنما يصح منه تعالى إذا كان على نحو المجازاة كأن يأتي الإِنسان بالمعصية فيؤاخذه الله بالعذاب من حيث لا يشعر أو يفعل به ما يسوقه إلى العذاب وهو لا يشعر، وأما المكر الابتدائي من غير تحقق معصية سابقة فمما يمتنع عليه تعالى وقد مرت الإِشارة إليه كراراً. " (6)

وقال الراغب في المفردات: " المكر صرف الغير عما يقصده بحيلة، و ذلك ضربان: ضرب محمود و ذلك أن يتحرى به فعل جميل و على ذلك قال: " {و الله خير الماكرين}، و مذموم و هو أن يتحرى به فعل قبيح قال: {و لا يحيق المكر السيىء إلا بأهله} {فانظر كيف كان عاقبة مكرهم}

و قال في الأمرين: و مكروا مكرا و مكرنا مكرا، و قال بعضهم: من مكر الله إمهال العبد و تمكينه من أعراض الدنيا، و لذلك قال أمير المؤمنين رضي الله عنه: من وسع عليه دنياه و لم يعلم أنه مكر به فهو مخدوع عن عقله." (7)

---

هوامش:

(1) و (2) تفسير مفاتيح الغيب للفخر الرازي.

(3) لسان العرب - مادة مكر.

(4) مجمع البيان للطبرسي.

(5) روح المعاني للألوسي.

(6) تفسير الميزان للسيد الطباطبائي.

(7) المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير