تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[لمسات بيانية في نصوص من التنزيل]

ـ[أبو طارق]ــــــــ[13 - 05 - 2006, 04:09 م]ـ

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الأساتذة الأفاضل كما وعدتكم بالاستمرار في عرض بعض مما كتبه الدكتور فاضل السامرائي حفظه الله , ولله الحمد أن القبول قد تم ولكم الشكر الجزيل. ولا داعي لورود المصدر في كل مشاركة لوروده في المشاركة الأولى. وأعرض لكم اليوم فقرة من كتاب اللمسات البيانية في نصوص من التنزيل. فأرجو أن تحصل منها الفائدة بإذن الله.

يقول الدكتور الفاضل:

اللمسة البيانية الأولى:

من سورتي الطور والقلم. (ص 168 - 169)

قال تعالى في سورة الطور: (فَذَكِّرْ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُونٍ (29)).

وقال في سورة القلم: (مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ (2)).

فزاد قوله: (بكاهن) على ما في سورة القلم، فما سبب ذاك؟

والجواب: أن هناك أكثر من سبب دعا إلى هذه الزيادة.

1 - منها أنه فصل في سورة الطور في ذكر أقوال الكفرة في الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد ذكروا أنه كاهن، وذكروا أنه مجنون، وذكروا أنه شاعر. (أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون). وقالوا إنه كاذب: (أم يقولون تقوله بل لا يؤمنون).

في حين لم يذكر غير قولهم إنه مجنون في سورة القلم: (ويقولون إنه لمجنون) فناسب ذكر هذه الزيادة في سورة الطور.

2 - ومنها أنه ذكر في سورة الطور قوله: (أم لهم سلم يستمعون فيه فليأت مستمعهم بسلطان مبين) والاستماع مما تدعيه الكهنة لتابعيهم من الجنِّ، فناسب ذلك ذكر الكهنة فيها.

3 - ومنها أنه ذكر السحر في سورة الطور فقال: (أفسحر هذا أم أنتم لا تبصرون). فناسب ذكر السحر ذكرَ الكهنة.

4 - ومما حسن ذلك أيضاً أنه توسع في القَسَم في أول سورة الطور بخلاف سورة القلم، فقد قال: (والطور * وكتاب مسطور * في رق منشور * والبيت المعمور * والسقف المرفوع* والبحر المسجور).

في حين لم يقسم في سورة القلم إلا بالقلم وما يسطرون. فناسب التوسع في الطور هذه الزيادة.

5 - ذكر في سورة القلم في آخر السورة قول الكفرة، إنه لمجنون ولم يزد على هذا القول، فقال: (وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر ويقولون إنه لمجنون) فرد عليهم في أول السورة بنفي الجنون عنه فقال: (ما أنت بنعمة ربك بمجنون). فناسب آخر السورة أولها.

ثم انظر من ناحية أخرى كيف ناسب التأكيد بالباء الزائدة في النفي (بمجنون) التوكيد باللام في الإثبات (لمجنون) لأن الباء لتوكيد النفي واللام لتوكيد الإثبات. والله أعلم.

اللمسة البيانية الثانية

من سورتي المعارج والقارعة (ص 198 - 200)

قال تعالى في سورة المعارج: (وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ (9)).

وقال في سورة القارعة: (وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ (5)).

فزاد كلمة (المنفوش) في سورة القارعة على ما في المعارج، فما سبب ذاك؟

والجواب - والله أعلم:

1 - أنه لما ذكر القارعة في أول السورة، والقارعة من (القَرْعِ)، وهو الضرب بالعصا، ناسب ذلك ذكر النفش؛ لأن من طرائق نفش الصوف أن يُقرعَ بالمقرعة. كما ناسب ذلك من ناحية أخرى وهي أن الجبال تهشم بالمقراع - وهو من القَرْع – وهو فأس عظيم تحطم به الحجارة، فناسب ذلك ذكر النفش أيضاً.

فلفظ القارعة أنسب شيء لهذا التعبير. كما ناسب ذكر القراعة ذكر (الفراش المبثوث) في قوله: (يوم يكون الناس كالفراش المبثوث) أيضاً؛ لأنك إذاقرعت طار الفراش وانتشر. ولم يحسن ذكر (الفراش) وحده كما لم يحسن ذكر (العهن) وحده.

2 - إن ما تقدم من ذكر اليوم الآخر في سورة القارعة، أهول وأشد مما ذكر في سورة المعارج. فقد قال في سورة المعارج: (تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة * فاصبر صبراً جميلاً * إنهم يرونه بعيداً* ونراه قريباً). وليس متفقاً على تفسير أن المراد بهذا اليوم، هو اليوم الآخر. وإذا كان المقصود به اليوم الآخر فإنه لم يذكر إلا طول ذلك اليوم، وأنه تعرج الملائكة والروح فيه. في حين قال في سورة القارعة: (القارعة * ما القارعة * وما أدراك ما القارعة) فكرر ذكرها وعَظَّمها وهوَّلها. فناسب هذا التعظيم والتهويل أن يذكر أن الجبال تكون فيه كالعهن المنفوش. وكونها كالعهن المنفوش أعظم وأهول من أن تكون كالعهن من غير نفش كما هو ظاهر.

3 - ذكر في سورة المعارج أن العذاب (واقع) وأنه ليس له دافع (سأل سائل بعذاب واقع * للكافرين ليس له دافع) ووقوع الثقل على الصوف، من غير دفع له لا ينفشه بخلاف ما في القارعة، فإنه ذكر القرع وكرره، والقرع ينفشه وخاصة إذا تكرر، فناسب ذلك ذكر النفش فيها أيضاً.

4 - التوسع والتفصيل في ذكر القارعة حسَّن ذكر الزيادة والتفصيل فيها، بخلاف الإجمال في سورة المعارج، فإنه لم يزد على أن يقول: (في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة).

5 - إن الفواصل في السورتين تقتضي أن يكون كل تعبير في مكانه، ففي سورة القارعة، قال تعالى: (يوم يكون الناس كالفراش المبثوث * وتكون الجبال كالعهن المنفوش). فناسبت كلمة (المنفوش) كلمةَ (المبثوث).

وفي سورة المعارج، قال: (يوم تكون السماء كالمهل * وتكون الجبال كالعهن*). فناسب (العهن) (المهل).

6 - ناسب ذكر العهن المنفوش أيضاً قوله في آخر السورة: (نار حامية) لأن النار الحامية هي التي تذيب الجبال، وتجعلها كالعهن المنفوش، وذلك من شدة الحرارة، في حين ذكر صفة النار في المعارج بقوله: (كلا إنها لظى * نزاعة للشوى). والشوى هو جلد الإنسان. والحرارة التي تستدعي نزع جلد الإنسان أقل من التي تذيب الجبال، وتجعلها كالعهن المنفوش، فناسب زيادة (المنفوش) في القارعة من كل ناحية. والله أعلم.

7 - كما أن ذكر النار الحامية مناسب للقارعة من ناحية أخرى، ذلك أن (القَرَّاعة) – وهي من لفظ القارعة – هي القداحة التي تقدح بها النار.

فناسب ذكر القارعة، ذكر الصوف المنفوش، وذكر النار الحامية، فناسب آخر السورة أولها.

وبهذا نرى أن ذكر القارعة حسَّنَ ذكر (المبثوث) مع الفراش، وذكر (المنفوش) مع الصوف، وذكر النار الحامية في آخر السورة. والله أعلم.

أرجو أن أكون قد وفقت في النقل.

دمتم بخير

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير