تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

"وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ "

ـ[سليم]ــــــــ[30 - 04 - 2006, 07:18 م]ـ

السلام عليكم

يقول الله تعالى:" هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ"آل عمران/ (7).

لقد اختلف العلماء في الصيغة النحوية للراسخين في العلم فمنهم من قال: الراسخون معطوف على اسم الجلالة (الله)، بمعنى إيجاب العلم لهم بتأويل المتشابه, ومنهم من قال هم مستأنف ذكرهم بمعنى الخبر عنهم أنهم يقولون آمنا بالمتشابه، وصدّقنا أن علم ذلك لا يعلمه إلا الله؟ فقال بعضهم: معنى ذلك: وما يعلم تأويل ذلك إلا الله وحده منفرداً بعلمه. وأما الراسخون في العلم فإنهم ابتدىء الخبر عنهم بأنهم يقولون: آمنا بالمتشابه والمحكم، وأن جميع ذلك من عند الله. والذي اراه هو القول الاول القائل بعطف الراسخين في العلم على اسم الجلالة ,وذلك لعدة اسباب ,اولها: ان القرآن لم يعطف العالم (اي عالم) على اسم الجلالة بل الراسخ في العلم ومعنى الراسخ كما ورد في لسان العرب: (رَسَخَ الشيءُ يَرْسَخُ رُسُوخاً: ثبت في موضعه، والرسوخ في كلام العرب: الثبات والتمكن في المكان، واستعير الرسوخ لكمال العقل والعلم بحيث لا تضلّله الشبه، ولا تتطرّقه الأخطاء غالباً، وشاعت هذه الاستعارة حتى صارت كالحقيقة) ,وثانيها: ان العطف حصل على العلماء (بصيغة الجمع) فلم يقل القرآن (وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُ فِي الْعِلْمِ) وذلك ان العالم قد يخطئ وقد يزل وقد ينسى ولا يمكن للعالِم بحفرده ان يلم بكل شاردة وواردة, وما يغفل عنه احدهم يتنبه له الآخر, وثالها: ان اصل العطف يحصل في عطف المفردات دون عطف الجمل، فيكون الراسخون معطوفاً على اسم الجلالة فيدخلون في أنّهم يعلمون تأويله.

وكما حصل اختلاف في الصيغة النحوية للراسخين حصل ايضًا في معنى (تأويله) ,فمنهم من قال ان المقصود هو الأجل الذي أرادت اليهود أن تعرفه من انقضاء مدة أمر محمد صلى الله عليه وسلم وأمر أمته من قِبَل الحروف المقطعة من حساب الجمل كـ «الم»، و «المص»، و «الر»، و «المر» وما أشبه ذلك من الآجال, وقال آخرون: بل معنى ذلك: عواقب القرآن. وقالوا: إنما أرادوا أن يعلموا متى يجيء ناسخ الأحكام التي كان الله جل ثناؤه شرعها لأهل الإسلام قبل مجيئه، فنسخ ما قد كان شرعه قبل ذلك, ومنهم من قال ان معناه: مَتَى يكون أَمْرُ البعث وما يؤول إِليه الأَمرُ عند قيام الساعة, وفريق آحر قال ان المقصود هو العلم بتأويل المتشابه الذي يخالف ظاهره دلائل العقول فيعلمون أن ذلك المتشابه لا بد وأن يكون له معنى صحيح عند الله تعالى.

والذي ارجحه هو ان القول الاخير ولأن سياق الآية يدل على هذا ومعرض الاية هو صميم هذا الامر ,فالآية تعرضت لآيات القرآن المحكمة والمتشابه وذم ابتعاء التأويل من اجل الفنتة ومدح العلماء الراسخين في بذل جهدهم في تأويل ما تشابه من آياته.

والحق ان علماء المسلمين قد اختلفوا في هذه المسألة وذهب كل فريق الى مذهبه في الفهم, وقد اعجبني ما قاله إبن عاشور في هذا الامر واستحسنته فقد قال: فكان رأي فريق منهم الإيمانَ بها، على إبهامها وإجمالها، وتفويضَ العلم بكنه المراد منها إلى الله تعالى، وهذه طريقة سلَف علمائنا، قبل ظهور شكوك الملحدين أو المتعلِّمين، وذلك في عصر الصحابة والتابعين وبعض عصر تابعيهم، ويُعبّر عنها بطريقة السلف، ويقولون: طريقة السلف أسْلَمُ، أي أشدُّ سلامة لهم من أن يَتأوّلوا تأويلات لا يدرَى مدى ما تفضِي إليه من أمور لا تليق بجلال الله تعالى ولا تتّسق مع ما شرعه للناس من الشرائع، مع ما رأوا من اقتناع أهل عصرهم بطريقتهم، وانصرافهم عن التعمّق في طلب التأويل.

وكان رأي جمهور من جاء بعد عصر السلف تأويلها بمعانٍ من طرائق استعمال الكلام العربي البليغ من مجاز، واستعارة، وتمثيل، مع وجود الدّاعي إلى التأويل، وهو تعطّش العلماء الذين اعتادوا التفكر والنظر وفهم الجمع بين أدلّة القرآن والسنة، ويعبّر عن هذه الطريقة بطريقة الخلف، ويقولون: طريقة الخلف أعلم، أي أنسب بقواعد العلم وأقوى في تحصيل العلم القاطع لِجدال الملحدين، والمقنع لمن يتطلّبون الحقائق من المتعلّمين، وقد يصفونها بأنّها أحْكَمُ أي أشدّ إحكاماً؛ لأنّها تقنع أصحاب الأغراض كلّهم. وقد وقع هذان الوصفان في كلام المفسّرين وعلماءِ الأصول، ولم أقف على تعيين أوّلِ من صدَرا عنه، وقد تعرّض الشيخ ابن تيمية - في «العقيدة الحموية» - إلى ردّ هذين الوصفين ولم ينسبهما إلى قائل. والموصوف بأسْلَم وبأعلَم الطريقةُ لا أهلُها؛ فإنّ أهل الطريقتين من أئمة العلم، وممّن سلموا في دينهم من الفِتن.

وليس في وصف هذه الطريقة، بأنّها أعْلَمُ أوْ أحْكَمُ، غضاضة من الطريقة الأولى؛ لأنّ العصور الذين درجوا على الطريقة الأولى، فيهم من لا تخفى عليهم محاملها بسبب ذوقهم العربي، وهديهم النبوي، وفيهم من لا يُعير البحثَ عنها جانباً من همّته، مثل سائر العامة. فلا جرم كان طَيّ البحث عن تفصيلها أسلم للعموم، وكان تفصيلها بعد ذلك أعْلَم لمن جاء بعدهم، بحيث لو لم يؤوِّلوها به لأوسعوا، للمتطلّعين إلى بيانها، مجالاً للشك أو الإلحاد، أو ضيقِ الصدر في الاعتقاد.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير