تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الاستفهامية المُرَكّبَة (ماذا)

ـ[لؤي الطيبي]ــــــــ[21 - 08 - 2006, 12:23 ص]ـ

أجاز النحاة في إعراب (ماذا) الأوجه الآتية:

الأول: أن تكون (ماذا) اسم استفهام بمنزلة كلمة واحدة.

الثاني: أن تكون (ما) اسم استفهام مبتدأ و (ذا) اسم موصول بمنزلة الذي.

الثالث: أن تكون (ما) اسم استفهام و (ذا) اسم إشارة.

الرابع: أن تكون (ماذا) جميعها بمعنى (الذي).

الخامس: أن تكون (ماذا) جميعها بمعنى (شيء).

ورجّح نُحاة أنْ تكون (ماذا) كلمة واحدة، واستدلّوا على ذلك بإثبات ألفها عند جرّها. ومنهم مَن ذهب إلى أنّها ليست باسم، ولا علاقة لها بالاسمية، فهي ليست إلا عنصر استفهام.

أمّا إعرابها في القرآن الكريم، فقد أجاز النُّحاة والمفسّرون أنْ تكون (ماذا) بمنزلة اسم واحد، أو أنْ تكون (ما) اسم استفهام و (ذا) بمنزلة (الذي). وأجاز آخرون أنْ تكون جميعها بمنزلة (الذي) في قوله تعالى: (قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ) [يونس: 101]، وقوله تعالى: (هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ) [لقمان: 11]، وقوله تعالى: (وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا) [لقمان: 34]، كأنّه قال: وما تدري نفسٌ الشيء الذي تكسبه غداً.

وذكر الإسكافي أنّ (ماذا) أبلغ من (ما) في الاستفهام، وذلك عند وقوفه عند قوله تعالى: (مَاذَا تَعْبُدُونَ) [الصافات: 35]، وقوله تعالى: (مَا تَعْبُدُونَ) [الشعراء: 70]. فذكر أنّه استعمل (ماذا) في السورة الأولى لأنّه أراد معنى تبكيتهم وتوبيخهم، لذلك لم يذكر جوابها في هذه السورة، بخلاف (ما) في سورة الشعراء. وبمثل هذا قال الكرماني.

وفرّق آخرون بين (ما) و (ماذا)، فبيّنوا أنّ (ماذا) تفيد التنصيص على الاستفهام فيما يحتمل الاستفهام وغيره، كقوله تعالى: (فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ) [لقمان: 11]. فإنّ (ذا) أفادت التنصيص على الاستفهام، ولو حُذفت لاحتمل المعنى الاستفهام والموصولية.

وقد مرّ أنّ النّحاة أجازوا أنْ تكون (ماذا) جميعها بمنزلة (الذي) في كلام العرب، وأجازوا هذا في القرآن الكريم. فلا تفيد (ماذا) عندهم التنصيص على الاستفهام.

ومع ذلك فالذي يبدو أنّ (ماذا) لا يصحّ أنْ تكون إلا استفهامية، لأنّ الموصولة لا تحتاج إلى زيادة مبناها، بخلاف معنى الاستفهام الذي يحتمل القوّة والضعف، كما أنّ (ذا) فيها معنى الإشارة والتنبيه، وهو معنى يخدم غرض الاستفهام دون الموصولية.

فالغرض الأول من استعمال (ماذا) بدل (ما) هو تقوية معنى الاستفهام، كما أنّها تُستعمل لغرض آخر، كما يرى الدكتور عبد الجبار زيدان، وهو رفع اللبس في كلّ موضع احتمل هذين المعنيين. فقد أُريد مثلاً معنى الاستفهام في قوله تعالى: (قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ) [يونس: 101]، ولو أُريد الموصولية لقال سبحانه: قل انظروا ما في السموات. وكذلك قوله تعالى: (وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ) [الحشر: 18]، فقد استعمل (ما) لأنّه أراد الموصولية، ولو أراد الاستفهام لقال جلّ شأنه: ولتنظر نفس ماذا قدّمت لغد.

وقد ذكر سيبويه أنّه عند جعل (ماذا) بمنزلة اسم واحد يكون الوجه في جوابها النصب لأنّ (ماذا) منصوبة، وعند جعل (ذا) بمنزلة (الذي) يكون الوجه في جوابها الرفع لأنّ (ما) مرفوعة على الابتداء. وبناءً على ذلك فقد جعلوا (ماذا) بمنزلة (ما الذي) في قوله تعالى: (وَإِذَا قِيلَ لَهُم مَّاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ) [النحل: 24]، لأنّ جوابها وهو (أساطيرُ) مرفوع، وجعلوها بمنزلة اسم واحد في قوله تعالى: (وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْاْ مَاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ خَيْرًا) [النحل: 30] لأنّ جوابها، وهو (خيراً)، منصوب.

وفي قوله تعالى: (وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ) [البقرة: 219] قرأ أبو عمرو (العفو) بالرفع، وقرأ الباقون بالنصب. وتبعاً لهذا الاختلاف في القراءة وجّه النحاة إعراب (ماذا) فأجازوا أنْ تكون بمنزلة اسم واحد مع نصب الجواب (العفو)، والتقدير: يسألونك ما ينفقون؟ قل ينفقون العفو. وأجازوا أنْ تكون بمنزلة (ما الذي) مع رفع الجواب، والتقدير: يسألونك ما الذي ينفقونه؟ قل الذي ينفقونه العفو.

وأجاز الأخفش والزجاج أنْ تكون (ماذا) بمنزلة اسم واحد أو منزلة (ما الذي)، سواء أكان جوابها مرفوعاً أم منصوباً.

ولو جعلنا المعنى هو الأساس، لا التقدير في توجيه النصب والرفع، لخلصنا إلى القول بأنّ الجواب يُرفع عندما يُراد به معنى الثبات والاستمرار، ويُنصب عندما يُراد به معنى التجدّد والحدوث. وقد وجّه الكرماني الرفع في قوله تعالى: (وَإِذَا قِيلَ لَهُم مَّاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ) [النحل: 24] بأنّ السائلين لم يكونوا سائلين على وجه الحقيقة يريدون الجواب، بل أرادوا من سؤالهم الاستهزاء والإنكار، لأنّهم أنكروا إنزال القرآن عدلوا عن الجواب فقالوا: أساطيرُ الأولين، فكان رفع الجواب من كلام الكافرين. وورد منصوباً في قوله تعالى: (وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْاْ مَاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ خَيْرًا) [النحل: 30]، لأنّه جواب لسائلين كانوا يقرّون بالوحي والإنزال، فكان نصب الجواب مطابقاً للحال لأنّه من كلام المتّقين.

والله أعلم

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير