تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

يا دار ميّة بالعلياء فالسند ... أقوت وطال عليها سالف الأمد

وقفت فيها طويلاً كي أسائلها ... عيت جواباً وما بالربع من أحد

وفي قوله أيضاً في القصيدة نفسها:

فتلك تبلغني النعمان إن له ... فضلاً على الناس في الأدنى وفي البعد

ولا أرى فاعلاً في الناس يشبهه ... وما أحاشي من الأقوام من أحد

وإذا تأمّلنا الصيغة المزيدة لهذه الكلمة على وزن (أفعل) أي (أوحد)، وجدنا أنها تحمل في شعرهم معنيين جديدين: أولهما: انفراد المرء بصفة أو عدّة صفات يتميّز بها عن غيره، يُقال: هو أوحد قومه. وثانيهما: بمعنى الأول، ويُفهم هذا المعنى في قول طرفة:

تمنى رجال أن أموت وإن أمت ... فتلك سبيل لست فيها بأوحد

ويؤيّد هذا أنهم سمّوا يوم الأحد بأنه الأول، أو وصفوه بأنه أول، لأن اسمه الأحد، قال الأعشى:

أآمل أن أعيش وأن يومي ... بأول ما بأهون أو جبار

أو التالي دبار أو فيومي ... بمؤنس أو عروبة أو شيار

وقد عدّ الشاعر في هذين البيتين أيام الأسبوع كما كان يعرفها الناس في العصر الجاهلي.

أما في القرآن الكريم، فقد وردت كلمة (أحد) وأخواتها أربعاً وثمانين مرّة. ومن يتأمّل في آيات القرآن يجد أن هذه الكلمة لم تأت وصفاً لاسم الله عزّ وجلّ إلا في آية واحدة، هي قوله في سورة الإخلاص (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ)، أما في الآيات الأخرى كلها فقد وردت بالمعنى اللغوي: واحد من الخلق!

ولقد أشرتَ في مقالتك - حفظك الله - إلى أن في الأحد خصوصية ليست في الواحد، وهي أنه يحمل معنيين معاً، هما: الأول والواحد في الوقت نفسه.

وهذه الخصوصية هي عينها التي عناها القرآن في قوله تعالى: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ)، بمعنى: أنه هو الأول الذي لا شيء قبله، وهو أحد لا ثاني له، ولا شريك معه.

وأما الخاصية الثانية، وهي أن الأحد اسم بُني لنفي لا يُذكر معه من العدد، كقولك: ما جاءني أحد. وأن الواحد اسم بُني لمفتتح العدد، كقولك: جاءني واحد من الناس، فلا تقول: جاءني أحد. فهي ما نقله المعرّبون عن ثعلب حين فرّق بين الكلمتين، بأن واحداً يدخله العدد، وأحد لا يدخله ذلك، تقول: الله أحد، ولا تقول: زيد أحد، لأن الأحد خصوصية الله تعالى.

وفي هذا يقول الإمام الحرالي: الأحد اسم أعجز الله العقول عن إدراك آيته في الخلق إثباتاً، فلم تستعمله العرب مفرداً قطّ، أي وهو بمعناه الحقيقي لا بمعنى واحد ولا بمعنى أول، إلا في النفي، لما علموا أنه مفصح عن إحاطة جامعة لا يشذ عنها شيء، وذلك ممّا تدركه العقول والحواسّ في النفي ولا تدركه في الإثبات، فيقولون: ما في الدار أحد، نفياً لكل ولا يسوغ في عقولهم أن يقولوا: في الدار أو في الوجود أحد، إذ لا يُعقل عندهم ذات إنسان هي جامعة لكل إنسان.

فالأحد إذن يدلّ على محض الوحدة، ولذلك يأتي معه نافٍ، فإذا قلت: لم يأتني أحد، انتفى الاثنان. ولا تقول: جاءني أحد، كما تقول: جاءني واحد. لأن واحداً تزول عنه الواحدية بضمّ ثانٍ إليه بخلاف الأحدية فإنها لازمة الواحد لا يفارقه حكمها بعد ضمّ الثاني. ولذلك تُعتبر كلمة أحد من النعوت المتوغلة في السلب، وتقع الشركة في التعبير بها في النفي وهو بمعناه الحقيقي، وتقع بها في الإثبات والسلب على حدّ سواء. وإليك بيان ذلك:

- إما أن تكون كلمة أحد بمعنى الأول وبمعنى الواحد، فيجوز أن يتكلم بها في الخبر، تقول: هذا واحد أحد.

- وإما أن تكون بمعنى الأول، فيجوز أن يتكلم بها في الخبر والجحد، تقول في الخبر مثلاً: يوم الأحد.

- وإما أن تكون بمعنى الواحد، فيجوز أن يتكلم بها في الخبر وفي الجحد، قال تعالى: (فَابْعَثُوا أَحَدَكُم بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ) [الكهف: 19] فهذه من الخبر، وقال تعالى: (وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا) [الحشر: 11] فهذه في الجحد، لأن المقصود بـ (أحداً) هنا الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو قول المنافقين: لا نطيع محمداً - صلى الله عليه وسلم - فيكم.

- وإما أن لا تكون بمعنى الأول وبمعنى الواحد، فلا يجوز أن يُتكلم بها إلا في الجحد، كقولك: ما جاءني أحد، وكقوله تعالى: (أَيَحْسَبُ أَن لَّن يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ) [البلد: 5].

والله أعلم

ـ[سمير الجندي]ــــــــ[20 - 04 - 2006, 11:02 م]ـ

الأخ لؤي الطيبي حفظه الله،،

السلام عليكم

انني أعتذر عن غيابي القصري، فانني اجلس الى الحاسوب كلما تسن لي ذلك،

ولكنني دائم الشوق للتواصل معكم والنهل من كنوزكم العلمية في مجال البلاغة واللغة، وهذا ما يسعدني ويثلج صدري.

أما فيما يخص موضوعنا فانني أشكرك أخي لؤي على اهتمامك الكريم، وأقول لك ما قاله الراغب في " مفردات القرآن ": أحد يستعمل على ضربين أحدهما في النفي فقط ولآخر في الإثبات.

فالأول لاستغراق جنس الناطقين، ويتناول الكثير والقليل، ولذلك صحّ أن يقال: ما من أحد فاضلين. كقوله تعالى " فما منكم من أحد حاجزين " (الحاقة 47).

والثاني على ثلاثة أوجه:

الأول: المستعمل مع العدد مع العشرات نحو أحد عشر، أحد وعشرين.

والثاني: المستعمل مضافا اليه بمعنى الأول، نحو " أما أحدكما فيسقي ربه خمرا " (يوسف 41)

والثالث: المستعمل وصفا مطلقا، ويختص بوصف الله تعالى , نحو " قل هو الله أحد " (الإخلاص 1) وأصله وحد الا أن وحدا يستعمل في غيره.

وشكرا لكم

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير