ألا ترى تلاقي الآيتين فيما تقدّمهما، فالمتقدّم في سورة غافر قوله تعالى: (لِيُنذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ * يَوْمَ هُم بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ) [الآيتان: 15 - 16]، فعند ظهور الأمر للعيان، ومشاهدة ما قد كان خبراً، قيل لهم: (لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ). وتقدّم في سورة الجاثية قوله تعالى: (وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُون) [الآية: 33]. وإنّما ذلك يوم التلاقي والعرض عليه سبحانه، فعند المعاينة وزوال الارتياب والشكوك كأنْ قيل لهم: لمن الحمد ومن أهله؟ فورد الجواب بقوله: ((فلله الحمد)). فالآية كالآية، والمقدّر المدلول عليه كالمنطوق، والإيجاز مستدعٍ لذلك.
ولمّا تقدّم ذكر المُلك في آية غافر منطوقاً به لَمْ يحتج إلى إعادة ذكره، فقيل: (لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ)، وَلَمْ يَقُلْ: فلله المُلك لتقدّم ذكره. ولمّا كان الحمد في سورة الجاثية لم يتقدّم ذكره، وإنّما هو مقدّر يدلّ عليه السياق، لَمْ يَكُنْ بدّ من الإفصاح به في الجواب، فقيل: ((فلله الحمد)) ".
وجملة الأمر أنّ السور التي افتتحت أو اختتمت بـ ((الحمدُ لله)) دعت إلى حمده تعالى على نعمه التي أنعمها على الإنسان، ومع تماثل الاستفتاح بالحمد لله، فإنّ كلّ سورة تذكّر بالله الذي ينبغي حمده في صورة خاصّة تتميّز بها عن الأخرى. فالفاتحة ابتدئت بقوله تعالى: ((الحمد لله رب العالمين))، فوصف بأنّه مالك جميع المخلوقين، وفي الأنعام والكهف وسبأ وفاطر لم يُوصَف بذلك، بل بفرد من أفراد صفاته، وهو خلق السموات والأرض والظلمات والنور في «الأنعام»، وإنزال الكتاب في «الكهف»، وملك ما في السموات وما في الأرض في «سبأ»، وخلقهما في «فاطر». لأنّ «الفاتحة» أُمّ القرآن ومطلعه، فناسب الإتيان فيها بأبلغ الصفات وأعمّها وأشملها.
فبعد أنْ ذكر الله تعالى في سور الحمد جزءاً من نعمه التي لا تُحصى على الإنسان، جاء في نهاية المطاف قوله تعالى في سورة الجاثية: ((فلله الحمد))، كأنْ قد قيل في السور السابقة: الحمد لله على نعمة كذا وكذا، والحمد لله على نعمة كذا وكذا، والحمد لله على نعمة كذا وكذا .. وهكذا، إلى أنْ انتهى الأمر بنظم دقيق في سورة الجاثية التي ختمت السور التي افتتحت بالحمد، والسور التي اختتمت بالحمد، ليقول: لمن الحمد ومن أهله؟ فيرد الجواب المطلق بقوله تعالى: ((فلله الحمد))!
والله أعلم ..
ـ[أبو طارق]ــــــــ[16 - 05 - 2006, 04:07 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بارك الله فيك أستاذ لؤي , ونفعنا الله بغزير علمك , ونحن في شوق لما جادت به أقلامكم حول الإعجاز الرقمي؛ ولكن بشيئ من اليسر إن أمكن:)
نعود لما بدأناه.
يقول الدكتور حفظه ورعاه:
رب العالمين:
الرب هو المالك والسيد والمربي والمنعم والقيِّم، فإذن رب العالمين هو ربهم ومالكهم وسيدهم ومربيهم والمنعم عليهم وقيُمهم لذا فهو أولى بالحمد من غيره وذكر (رب العالمين) هي أنسب ما يمكن وضعه بعد (الحمد لله)
رب العالمين يقتضي كل صفات الله تعالى ويشمل كل أسماء الله الحسنى، العالمين: جمع عالم والعالم هو كل موجود سوى الله تعالى؛ والعالم يجمع على العوالم وعلى العالمين لكن اختيار العالمين على العوالم أمر بلاغي يعني ذلك أن العالمين خاص للمكلفين وأولي العقل (لا تشمل غير العقلاء) بدليل قوله تعالى (تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا) (الفرقان آية 1) ومن المؤكد انه ليس نذيرا للبهائم والجماد. وبهذا استدلوا على أن المقصود بالعالمين أولي العقل وأولي العلم أو المكلفون.
والعالمين جمع العالم بكل أصنافه لكن يغلُب العقلاء على غيرهم فيقال لهم العالمين لا يقال لعالم الحشرات أو الجماد أو البهائم العالمين وعليه فلا تستعمل كلمة العالمين إلا إذا اجتمع العقلاء مع غيرهم وغلبوا عليهم.
أما العوالم قد يطلق على أصناف من الموجودات ليس منهم البشر أو العقلاء أو المكلفون (تقال للحيوانات والحشرات والجمادات)
¥