ـ[ابو عاصم النبيل]ــــــــ[15 - 10 - 07, 10:06 م]ـ
وهذا أيضا
توبة المبتدع
الدكتور سعيد بن ناصر الغامدي
حصل في هذه المسألة اختلاف بين العلماء، فمنهم من قال: لا توبة للمبتدع مطلقاً، ومنهم من قال: بل توبته مقبولة إذا وقعت بشروطها الصحيحة، وقال آخرون: بل التوبة مقبولة في بعض البدع وبعض الأحوال دون بعض، وقد اعتمد أصحاب كل قول من هؤلاء على أدلة من النقل والنظر .. ومن أجل بيان القول الصحيح في هذه المسألة لابد من إيضاحها ضمن المطالب التالية:
المطلب الأول:
الأحاديث والآثار التي يحتج بها على امتناع التوبة عن صاحب البدعة، منها ما هو صحيح ومنها ما هو ضعيف، وسوف نناقش هنا الأحاديث الصحيحة، وهي: قوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله احتجز التوبة عن صاحب كل بدعة) ([1]).
وقوله صلى الله عليه وسلم: (يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، ثم لا يعودون فيه حتى يعود السهم إلى فوقه ... ).
وسبب الاقتصار على الأحاديث الصحيحة أن الضعيف والموضوع لا حجة فيهما، وأما الآثار ففي الكلام على الأحاديث الصحيحة ما يجعلها داخلة ضمن المعنى المراد.
فأما الحديث الأول فالجواب عنه بهذه الأجوبة أو ببعضها:
الجواب الأول: أن هذا الحديث من نصوص الوعيد التي لا تفسر عند أهل السنة لتبقى هيبة الزجر عن الابتداع، ومذهب أهل السنة أن كل ما توعد الله به العبد من العقاب فهو بشرط أن لا يتوب، فإن تاب تاب الله عليه.
الجواب الثاني: أن هذا الحديث من باب الأخبار الواردة في الشرع، ومن جنس قوله تعالى: ((وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى)) * ((وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى)) * ((فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى)) [الليل: 8 - 10].وقوله سبحانه وتعالى: ((فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ)) [الصف:5] فيكون معناه: أن المبتدع الذي ترك هدى الله، وتنكب سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلك الطريق الجائر، يستحق ألا يهديه الله هداية التوفيق والتمكين التي من أجلّ أنواعها التوفيق للتوبة، فتحجر عنه التوبة من هذا الباب؛ لأن الله قد وعد من قبل هداية إرشاده ودلالته بهداية توفيقه وتمكينه، فقال سبحانه: ((وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ)) [محمد:17].
وحقيقة حال المبتدع التقدم بين يدي الله ورسوله، والافتئات على الشرع، وعدم الوقوف عند ما حده الله له، فكأنه لم يقبل هداية الدلالة والإرشاد التي من أعظم أركانها الاعتصام بكتاب الله وسنة رسوله، و لذلك لم يستحق وعد الله بهداية التوفيق والتمكين، فيكون ذلك سبباً في هلاكه وامتناع التوبة عنه، ومع ذك فإن لله عز وجل أن يتكرم فيقبل توبة من يشاء من أهل الابتداع، بعد أن يوفقه الله لها تكرماً منه، فإنه سبحانه لا يخلف الوعد، وله أن يتجاوز عن توعدهم تكرماً، وقد ذكر هذا المعنى محمد السفاريني في "غذاء الألباب لشرح منظومة الآداب" ونسبه إلى الإمام أحمد أنه (سئل عن ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله احتجر التوبة عن صاحب كل بدعة)) وحجر التوبة أيش معناه؟ قال أحمد: (لا يوفق ولا ييسر صاحب بدعة) ([2]).
الجواب الثالث: يمكن أن يقال إن المبتدعة في هذه الأمة من حيث تعلقهم بالبدعة على قسمين:
قسم أُشرب قلبه البدعة ومازج الهوى قلبه، لا يمكن في العادة انفصاله عن البدعة أو توبته منها، مثل ما يدخل داء الكَلَب جسم صاحبه فلا يبقى من ذلك الجسم جزء من أجزائه إلا دخله ذلك الداء بحيث لا يقبل العلاج ولا ينفع فيه الدواء، وكذلك صاحب الهوى إذا دخل قلبه وأشرب حبه ففي الغالب لا تعمل فيه الموعظة، ولا يقبل البرهان ولا يكترث بمن خالفه لاستحكام البدعة فيه، وتغلغل الهوى في قلبه، فلذلك يندر أن يرجع عن هواه أو يتوب من بدعته.
¥