تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقد أشار إلى هذا المعنى شيخ الإسلام ابن تيمية فقال: (قال طائفة من السلف منهم الثوري: (البدعة أحب إلى إبليس من المعصية؛ لأن المعصية يتاب منها والبدعة لا يتاب منها). وهذا معنى ما روي عن طائفة أنهم قالوا: (إن الله حجر التوبة على كل صاحب بدعة) بمعنى أنه لا يتوب منها؛ لأنه يحسب أنه على هدى، ولو تاب لتاب عليه، كما يتوب على الكافر. ومن قال: إنه لا يقبل توبة مبتدع مطلقاً فقد غلط غلطاً منكراً، ومن قال: ما أذن الله لصاحب بدعة في توبة. فمعناه: ما دام مبتدعاً يراها حسنة لا يتوب منها، كما يرى الكافر أنه على ضلال، وإلا فمعلوم أن كثيراً ممن كان على بدعة تبين له ضلالها وتاب الله عليه منها، وهؤلاء لا يحصيهم الله) ([3]).

وقسم لم يشرب قلبه البدعة ولم يتعلق بها كتعلق صاحب القسم الأول، وهذا يمكنه الرجوع إلى الحق والتوبة من الباطل

الجواب الرابع: إن المبتدع الذي يتخذ ديناً لم يشرعه الله، ويتقرب بما أملاه عليه هواه، قد زين له سوء عمله فرآه حسناً، ففي الغالب لا تقع التوبة منه ما دام يرى فعله المبتدع حسناً، بل يراه هو الدين الصحيح كما شبه له، ويرى غيره هو الباطل والضلال فيبقى ملازماً لهواه مصراً على بدعته فلا يتوب.

أما الحديث الثاني وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، ثم لا يعودون فيه حتى يعود السهم إلى فوقه ... ) فإنه خاص بالخوارج كلاب النار، ومع ذلك فلا يلزم منه أن التوبة منهم غير ممكنة كما لا يلزم منه أنهم كفار خارجون من الدين على أصح قولي العلماء، ومما يدل على أن توبتهم ممكنة واقعة ما رواه الحاكم في مستدركه وأحمد في المسند عن عبد الله بن شداد (أن عليا رضي الله عنه لما اعتزله الحرورية بعث إليهم عبد الله بن عباس فواضعوه كتاب الله ثلاثة أيام فرجع منهم أربعة آلاف.

والحديث الذي جاء بهذه الصيغة للتنفير من حالهم والتحذير من مصير المصرين منهم ومآلهم.

ولو قيل: إن المراد به أن توبتهم غير حاصلة ولا ممكنة؛ لأن عودتهم إلى الإسلام منفية بنص الحديث لأصبح هناك تعارض بين الخير وواقع توبة من تاب منهم بعد مناظرة أبي عباس لهم، ولا يمكن أن يقع التعارض بين الخبر الشرعي والقدر الشرعي الكوني، وهذا ما يوجب جعل هذا الحديث من ضمن نصوص الوعيد المحذرة من الوقوع في الآثام كقوله سبحانه وتعالى: ((إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً)) [النساء:10].

ونصوص الوعيد معلقة فيما عدا الشرك بمشيئة الله، ومشروطة بعدم التوبة، فمن تاب تاب الله عليه.

المطلب الثالث: هذه الأحاديث والآثار التي قد يفهم منها أن المبتدع لا توبة له مطلقاً لابد من النظر فيها ضمن نصوص الوعد والوعيد .. وقاعدة أهل السنة والجماعة فيها، وضمن نصوص التوبة التوبة والغفران الكثيرة.

فأما نصوص الوعيد الواردة في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم (فإنه قد علم يقيناً أن كل ذنب فيه وعيد فإن لحوق الوعيد مشروط بعدم التوبة، إذ نصوص الوعيد مبينة لتلك النصوص كالوعيد في الشرك وأكل الربا وأكل مال اليتيم والسحر، وغير ذلك من الذنوب) ([4]).

فإن لم تحصل التوبة فإن المعاصي لله بالابتداع غير الكفري أو المخالفة التي لا تخرج من الملة هو في مشيئة الله سبحانه إن شاء عذبه وإن شاء غفر له ..

وبهذا فارق أهل السنة والجماعة الوعيدية من الخوارج والمعتزلة.

وأما نصوص التوبة والغفران فهي كثيرة جداً، وهي تفيد في مجموعها أن المغفرة تحصل لكل تائب إذا استكمل شروط التوبة مهما كان الذنب وكيفما كان الجرم من هذه النصوص: قوله تعالى: ((فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)) [المائدة:39].

ولا شك أن البدعة من الظلم للنفس والمجتمع، ومن العدوان على حقوق الله سبحانه وتعالى، فمن تاب منها فإن الله يتوب عليه.

وقوله سبحانه وتعالى: ((وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى)) [طه:82].

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير