وقال أبو داود في مسائله عن أحمد (1879): قلت لأحمد: يحيى بن سليم عن عمران القصير عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من قال في سوق من أسواق المسلمين" مثل حديث قهرمان آل الزبير؟ قال أحمد: "عمران لم يحدث عن عبد الله بن دينار، وهذا حديث منكر". فقلت لأحمد: لعله غير ذاك، أعني: لعل عمران هذا غير عمران بن مسلم أبي بكر البصري القصير؟ فسكت أحمد.
12 - ذكر المؤلف (ص50) أن حديث عبد الله بن دينار عن ابن عمر يروى من وجه آخر: عن مسروق بن المرزبان، عن حفص بن غياث، عن هشام بن حسان، عن عبد الله بن دينار به.
ثم أطال في رد كلام الذهبي لما تعقب الحاكم بأن مسروق بن المرزبان ليس بحجة.
فذكر أن صالح جزرة قال في مسروق: صدوق، وأن ابن حبان ذكره في الثقات.
وذكر أن أبا زرعة الرازي روى عنه، وأن من عادة أبي زرعة أنه لا يروي إلا عن ثقة. وهذه الحجة لا تستقيم مع تضعيف بعض الأئمة مسروقًا - وقد نص على هذا الألباني رحمه الله في أجوبته أسئلة أبي الحسن المأربي (س34) -، بل إنّ فيها نظرًا على إطلاقها، قال ابن رجب (في شرح العلل: 1/ 386): "والذي يتبين لي من عمل الامام أحمد وكلامه أنه يترك الرواية عن المتهمين والذين كثر خطؤهم للغفلة وسوء الحفظ، ويروي عمن دونهم في الضعف، مثل من في حفظه شيء ويختلف الناس في تضعيفه وتوثيقه، وكذلك كان أبو زرعة الرازي يفعل".
ثم ذَكَرَ قول أبي حاتم الرازي في مسروق: "ليس بقوي، يكتب حديثه"، ثم قال: "مع أنه روى عنه"، ورواية الإمام عنه لا تفيد توثيقه مطلقًا - كما سبق -.
ثم قال المؤلف: "أما قوله - يعني: قول أبي حاتم في مسروق -؛ فهو تليين منه لمسروق، لا ينزل بحديثه عن مرتبة الاحتجاج، ولا يفيد الضعف الذي يرد به الخبر".
لكن المؤلف غفل أو تغافل عن كلمة أبي حاتم الأخرى التي نقلها ابن حجر في التهذيب، قال في أبي هشام الرفاعي: "هو مثل مسروق بن المرزبان"، وأبو هشام هذا قال فيه أبو حاتم: "ضعيف، يتكلمون فيه"، وقال البخاري: "رأيتهم مجتمعين على ضعفه".
والمقصود أن في مسروق هذا ضعفًا لا يخفى.
وإذا نظرت إلى شيخه (حفص بن غياث)، وجدت كبار الأئمة يروون عنه، كعلي بن المديني وإسحاق بن راهويه وأحمد بن حنبل وغيرهم، وبعضهم قد أنكر هذا الحديث وضَعَّفه، فمن أين أتى مسروق الضعيفُ هذا بهذه الرواية؟! وكيف تفرد بها عن هؤلاء الأئمة، الذين لو عرفوا أنّ الحديث الذي أنكروه عند شيخهم حفص بن غياث بسند صحيح؛ لسارعوا إلى روايته، ولَمَا حكموا بنكارته وضعفه.
هذا زيادةً على أن رواية مسروق بن المرزبان هنا تؤدي إلى جعل حفص بن غياث يخالف جماعة من الرواة، فيهم بعض الثقات - ويأتي -، وهذه المخالفة تؤكد تخليط مسروق في هذا الحديث.
13 - نقل (ص52) عن صاحب رسالة "بذل الجهد"= أنه أعل رواية مسروق بأن عبد الله السهمي وفضيل بن عياض وعبد الأعلى بن سليمان وسويد بن سعيد رووه عن هشام بن حسان عن عمرو بن دينار قهرمان آل الزبير عن سالم عن أبيه عن جده.
ثم أخذ يجيب عن هذه الروايات:
أ- فأما رواية الفضيل بن عياض، فقد أخرجها ابن عدي من طريق يحيى بن طلحة اليربوعي عن الفضيل. قال المؤلف (ص53): "هذا إسناد ضعيف، آفته يحيى بن طلحة، وهو ابن أبي كثير اليربوعي"، إلى أن قال: "فإن قيل: تابعه محمد بن يحيى المكي ... أخرجه أبو محمد عبد الله بن محمد بن جعفر بن حيان الأصبهاني المعروف بأبي الشيخ الأنصاري في طبقات المحدثين بأصبهان ... : حدثنا عبد الله بن بندار الضبي، قال: ثنا محمد بن يحيى المكي، قال: ثنا فضيل بن عياض به.
قلت - والكلام للمؤلف -: عبد الله بن بندار مجهول؛ ترجم له أبو نعيم في ذكر أخبار أصبهان (2/ 60)، وقال: كان من الصالحين، توفي سنة أربع وتسعين ومائتين.
فمثله لا يحتج به" انتهى كلامه.
وقد ترجم لعبد الله بن بندار قبل أبي نعيم: أبو الشيخ في طبقات المحدثين بأصبهان (3/ 376)، وقال: "كان من عباد الله الصالحين"، فكأن أبا نعيم استفاد هذه الكلمة من أبي الشيخ، ثم قال أبو الشيخ: "حكي عن محمد بن يحيى بن منده أنه لما بلغه موته قال: (ما خلف بعده مثله) ".
¥