وجهالة حال عبد الله بن بندار هذا لا تضر، فالمتأخرون ممن هم في طبقته كان جلّ رواياتهم بالكتب والإجازات، ولم يكن الحفظ مشهورًا عندهم، ثم الرجل قد أثنى عليه أبو الشيخ وابن منده بما ذُكر.
ومن كانت هذه حالُهُ فلا يصح أن يطلق عليه كما أطلق المؤلف: "لا يحتج به"! بل هو صالح، خاصة إذا توبع ولم يأتِ بما يستنكر، وقد توبع شيخُهُ هنا، وإن كان متابِعُهُ (يحيى بن طلحة اليربوعي) لين الحديث - حسب قول ابن حجر في التقريب -؛ إلا أن هذا يفيد أن لروايته أصلاً، ثم قد توبع شيخُ شيخه - وهو الفضيل -، كما سبق ويأتي.
ب- وأما رواية عبد الأعلى بن سليمان عن هشام بن حسان، فقد أعلّها المؤلف بعبد الأعلى نفسه، وذكر أنه ضعيف، ثم ذكر أنه مستور الحال، وقد ذكره ابن حبان في الثقات.
ومن كانت هذه حاله؛ فيصح أن يكتب حديثه، ويصلح في المتابعات، خاصة أنه تابعه الفضيل بن عياض وغيره من الثقات.
ج- وأما رواية سويد، فقد أخذ يعلها بسويد بن سعيد، بعد أنْ ذكر أنَّ الدارقطني ذكر روايته - أي: رواية سويد بن سعيد - في العلل (2/ 49).
ولن تجد ذكرًا لسويد بن سعيد هناك، فإنما هو سويد بن عبد العزيز، ويبدو أن المؤلف تابع صاحب رسالة (بذل الجهد) على هذا الخطأ - إن كان صاحب الرسالة قد أخطأ، ولم يُخطَأ عليه، فليست الرسالة بين يديّ -.
فهل يصدق في المؤلف نحو ما ذكره هو (ص56) في بعض الدكاترة المحققين الذين "قلدوا دكتورًا مفهرسًا لا يعرف من علم الحديث إلا فهرسته، وليته يتقنها!! عندئذٍ - والكلام للمؤلف - تذكرت كلمة الإمام الكبير، الحافظ الذهبي، والتي أوردها أثناء ترجمة أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - في تذكرة الحفاظ (1/ 4): (وإن عرفت إنك مخلط مخبط مهمل لحدود الله؛ فأرحنا منك، فبعد قليل ينكشف البهرج، وينكب الزغل، ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله، فقد نصحتك؛ فعلم الحديث صلف، فأين علم الحديث؟ وأين أهله؟ كدت إن لا أراهم إلا في كتاب، أو تحت تراب) "؟!!
وسويد بن عبد العزيز ضعيف جدًّا، له مناكير، وفي روايته هذه مخالفةٌ كما ذكر الدارقطني، فليست مفيدة شيئًا.
فهذه جملة ما أجاب به المؤلف على هذه المتابعات، وفيه تعسف - كما ظهر - في تضعيفها لئلا يثبت بها خطأ مسروق بن المرزبان الضعيف في روايته عن حفص بن غياث عن هشام بن حسان.
ومن أعجب العجب أن المؤلف أغفل رواية عبد الله بن بكر السهمي التي أخرجها الطبراني في الدعاء بإسناد صحيح من طريق أبي بكر بن أبي شيبة عن عبد الله بن بكر، وهي أقوى هذه المتابعات وأصحها، وعبد الله بن بكر ثقة حافظ، وروايته هذه كافية في القضاء على رواية مسروق بن المرزبان، ولا أدري ما الذي دعا المؤلف إلى إغفالها مع أنه ذكرها في الإجمال قبل أن يفصّل الجواب عن كل متابعة؟!!!
ولا يضرها ما أخرجه تمام في فوائده (1598 - الروض) عن محمد بن حميد الكلابي، عن أحمد بن منصور الرمادي، عن عبد الله بن بكر السهمي به؛ فجعله من مسند ابن عمر، فإن ابن عساكر ترجم لمحمد بن حميد هذا (52/ 371) ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلاً، وتفرُّده عن الثقة الإمام أحمد بن منصور الرمادي بهذه الرواية المخالِفة يقتضي نظرًا، خاصةً أنه جعل الرمادي يخالف اثنين: أبا بكر بن أبي شيبة في روايته عن السهمي، وأحمد بن يحيى السوسي في روايته عن عبد الأعلى بن سليمان، ثم جعلهما (السهمي وعبد الأعلى) يخالفان الجمع (الفضيل بن عياض ومن معه). فروايته هذه خطأ، أو تقصير منه في ذكر عمر - رضي الله عنه -.
ولم يذكر المؤلف متابعةً أخرى - مع أنه وقف على روايةٍ للحديث قبلها بأسطر في مصدرها -؛ أخرجها الرامهرمزي في المحدث الفاصل (ص333) عن عبد الله بن أحمد، عن إبراهيم بن سعيد الجوهري، عن روح بن عبادة، عن هشام بن حسان، به.
وعبد الله بن أحمد هو ابن معدان الغزَّاء الثغري، وقد أكثر عنه الرامهرمزي، وأخرج له غير رواية عن إبراهيم بن سعيد الجوهري، وهذا يدل على أنه مقبول الرواية ما لم يأتِ بمنكر.
وشيخه هنا إبراهيم بن سعيد الجوهري ثقة حافظ، وشيخه روح بن عبادة - المتابِع للفضيل بن عياض ومن معه - ثقة حافظ أيضًا.
¥