فاجتمعت أربع متابعات: الفضيل بن عياض، وعبد الأعلى بن سليمان، وعبد الله بن بكر السهمي، وروح بن عبادة، وأسانيدها صحيحة أو صالحة، وهي باجتماعها أقوى - بلا ريب - من رواية مسروق بن المرزبان عن حفص بن غياث.
فهذه أسانيدٌ بين الصلاح والصحة اجتمعت، لكن المؤلف أبى إلا أن يضعفها جميعًا، ويصحح رواية مسروق بن المرزبان عليها، فهل يُوجَّهُ إليه كلام الألباني - رحمه الله - الذي نقله هو في كتابه هذا (ص38): "أنه لا يتبنى قاعدة تقوية الضعيف بكثرة الطرق التي لم يشتد ضعفها، كما قرره ابن الصلاح في المقدمة، وأشاد بها شيخ الإسلام ابن تيمية في غيرما موضع من كتبه وفتاويه ... "؟!!
ولا أدري لمَ يقوِّي المؤلف أولَ كتابه بعضَ المناكير ببعض، ويأبى هنا أن يقوي ما يُحتمل ضعفُهُ بمثله؛ بل بأسانيد صحيحة؟!!
ورواية مسروق التي يقويها المؤلف جاءت على جادة مسلوكة، وهي رواية عبد الله بن دينار عن ابن عمر، واحتمال الوهم إلى سالك الجادة أقرب مِنه إلى مَنْ خالفها، فإنَّ مَنْ روى الحديث عن هشام عن عمرو بن دينار قهرمان آل الزبير عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه عن جده (وَهُم جماعة) = سيكون أكثر تثبتًا وحفظًا؛ لغرابة هذا الإسناد، وعدم اشتهاره. أما عبد الله بن دينار عن ابن عمر؛ فكلٌّ يُحسن هذا.
وانظر عللاً أخرى في رواية مسروق هذه في تخريج الذكر والدعاء، للشيخ ياسر بن فتحي (2/ 688).
فثبت أن رواية مسروق خطأ، وأن الروايات الأخرى عن هشام بن حسان ثابتة، وتعيد الحديث إلى عمرو بن دينار قهرمان آل الزبير.
14 - ذكر (ص58) الشاهد الثاني، وهو حديث عبد الله بن عباس - رضي الله عنه -، وكفانا مؤنة تضعيفه وبيان شدة نكارته.
15 - ذكر (ص68) أحاديث الباب، وبدأها بحديث بريدة - رضي الله عنه -، وفي بعض أسانيده: قال شعيب بن حرب: نا جار لنا يكنى أبا عمر. قال المؤلف: "وأبو عمر؛ هو محمد بن أبان الجعفي، كما في التاريخ الكبير، وهو ضعيف".
وقال (ص70): "وعند ذكر البخاري محمد بن أبان هذا في التاريخ الكبير؛ أثبت أنه جار لشعيب بن حرب؛ فتدبر".
والذي في التاريخ الكبير (1/ 179): محمد أبو عمر، قال شعيب بن حرب: هو جار لنا. سمع علقمة بن مرثد، عن ابن بريدة، عن أبيه، كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل السوق قال: بسم الله ... قال محمد: هذا لا يتابع عليه".
ولما ذكر البخاري محمد بن أبان هذا قال (1/ 34): "محمد بن أبان بن صالح بن عمير، عن أبي إسحاق وحماد بن أبي سليمان. يتكلمون في حفظه. حديثه في الكوفيين. قال عبد الله بن عمر بن محمد بن أبان بن صالح بن عمير: نحن من العرب، وقع علينا سبي في الجاهلية، وتزوج محمد في الجعفيين، فنسب إليهم. مولى لقريش، أبو عمر".
وهذا لا يفيد أن البخاري عيّن أبا عمر بأنه ابن أبان الجعفي كما تُوهِمُ عبارة المؤلف. وتكفي في تعيينه الروايات الأخرى.
وقد ذكر المؤلف أن الألباني - رحمه الله - ضعّف الحديث، وكأنه أقرّه، والحق أنه منكر، لتفرد محمد بن أبان به - كما حكم البخاري -، وتفردات الضعفاء منكرة - كما قرر المؤلف (ص22) -، خاصة إذا أنكر الأئمةُ على الضعيف تفرُّدَهُ، والبخاري يشير إلى ذلك بقوله: "لا يتابع عليه".
ولا يظهر من متن هذا الحديث شهادة للحديث الأصلي، ففيه دعاء جديد للسوق، وليس الذكر المذكور في حديث ابن عمر، ولا فضلَهُ.
16 - حديث عليّ - رضي الله عنه - موضوع - كما بيّن المؤلف (ص71) -.
17 - ذكر المؤلف (ص71) حديث عبد الله بن عمرو بن العاص، وقد جاء من طريق عثمان بن صالح السهمي عن ابن لهيعة عن أبي قبيل حيي بن هانئ عن عبد الله بن عمرو به.
قال (ص71): "وأما ما يخشى من ضعف ابن لهيعة - لاحتراق كتبه واختلاطه -؛ فهو مأمون هنا، فالراوي عنه - عثمان بن صالح السهمي - سمع منه قبل احتراق كتبه؛ قاله ابن سيد الناس في النفح الشذي (2/ 803) ".
وقد تعقب محقق النفح الشذي الشيخ أحمد معبد عبد الكريم عَدَّ ابنِ سيد الناس عثمانَ بن صالح فيمن سمع من ابن لهيعة قبل احتراق كتبه، وأثبت أنه سمع بعد ذلك منه، وأن سماعه قبل احتراق الكتب محتمل، إلا أنه ليس كذلك مطلقًا. ولا أدري لمَ لمْ يلتفت المؤلف إلى هذا؟!
¥