تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

نعم، وأما ما نقل أبوزرعة عن ابن معين أن أبا معاوية لم يحدّث بهذا الحديث في بغداد فيحتمل أمرين: الأول: أن يكون قد حدّث به خارج بغداد، وهنا قد يكون أُدخل عليه في بلده الكوفة التي يكثر فيها التشيع وأخوه الوضع، أو أنه وهم ودخل عليه شيء في شيء، ثم تنبّه، وهذا قد يلتقي مع نقل ابن نمير أنه حدَّث به ثم كفَّ عنه ورجع، وقد يؤيد هذا الرواية التي فيها إثبات ابن معين لرواية الفيدي للحديث عن أبي معاوية، وكلاهما كوفي، فربما كانت عمدة ابن معين في أن أبا معاوية حدَّث به خارج بغداد، ولكن يأتي بيان حال متابعة الفيدي هذه، وأنها معلولة.

والاحتمال الثاني: أنه يُنكر حالة خاصة، فقد علم أن سماع الرجل من أبي معاوية كان ببغداد، وهي بلد ابن معين وغيره من أصحاب أبي معاوية -كالإمام أحمد- وما سمعوا قط أن شيخهم -مع شهرته وانتشار حديثه- قد حدّث بهذا الحديث، فلو كان مما حدّث بها لعلمه أصحابه فيها من باب أولى، فلا يفوت على حفاظ هذا البلد ويُغرب عليهم فيه ضعيفٌ جاءهم من خارجها! ولهذا في نفس الجواب الذي فيه نفي ابن معين أن يكون أبومعاوية حدَّث به في بغداد قال: إنه حديث كذب ولا أصل له. وهذه العبارة تقوّي هذا الاحتمال.

بقي تحرير حكم ابن معين في رواية أبي الصلت نفسه، فهو معاصر لابن معين، وتوفي بعده سنة 236، وهذا سببٌ لئلا يسبر ابن معين حديثه جيداً، إذ ليس من طبقة شيوخه، ولهذا قال في البداية إنه لا يعرفه، ولم يعرف أن هذا من أحاديثه، وكان أصحابه وتلامذته يُعلمونه بها، فظهر بذلك أن معرفة ابن معين بحال الرجل كانت قاصرة.

ثم كان أبوالصلت من خواص الخليفة المأمون وجيهاً موسراً، فضلاً عن زهده الظاهر، وقد نقل الخطيب (11/ 50) عن صالح بن محمد أن ابن معين كان يُحسن القول فيه، وأنه رآه عنده. ولما سأله ابن محرز عن حاله ذكر ابن معين أنه يُكرم الشيوخ ويُحسن إليهم، فهنا ابن معين هو الذي يزور أبا الصلت بنفسه، ويُجيب بهذا الجواب، فكان الأمر كما قال الحافظ الذهبي عن أبي الصلت في السير (11/ 447): "جُبلت القلوب على حب من أحسن إليها، وكان هذا بارًّا بيحيى، ونحن نسمع من يحيى دائماً ونحتج بقوله في الرجال، ما لم يتبرهن لنا وهن رجل انفرد بتقويته أو قوة من وهّاه".

كما يظهر أن أبا الصلت كان يتجمل لابن معين بشكل خاص، فإنه فضلا عن إحسانه وإكرامه له: كان يكتم عنه مناكيره، يدل على ذلك أن ابن معين لم يعرف حديثه هذا إلا من غير أبي الصلت، ولا نُقل له كلام في أحاديثه المنكرة الأخرى عن آل البيت، رغم أنه يجالسه ويزوره، فهذا من دهاء أبي الصلت، فقد كان يبثّ المناكير ويُشيعها مع حرصه على إخفائها عن الأئمة كابن معين وأحمد، وأشار لهذا المعنى المعلمي في حاشية الفوائد المجموعة، ولا سيما أنه منقولٌ في ترجمة ابن معين أن المشايخ كانوا يتهيبونه ويُكرمونه ويجّلونه إجلالاً خاصًّا.

ولهذا وذاك يظهر أن ابن معين جامل أبا الصلت في الحكم على روايته، أو أنه لم تظهر له حقيقة حاله فعلاً، فكان يدافع عن أبي الصلت أنه لم يسمع الحديث منه، وأن ظاهر الرجل عنده عدم الكذب، وأن الحديث ليس من عهدته، وذلك (في أكثر الروايات) بأنه توبع، أو أن الحديث كان عند أبي معاوية فعلا.

ويظهر أن بقاء أبي الصلت حيًّا بعد يحيى واستمرار إحسانه وتستره له منع يحيى من الكلام الصريح فيه، فإجاباته لأصحابه الذين يستنكرون حديثه هذا بالذات تظهر فيها المدافعة والتحرج، فيقول حيناً: ما أعرفه! وحيناً: قد سمع، وما أعرفه بالكذب، ولم يكن عندنا من أهل الكذب، وأحياناً يجيب بجواب فيه الإدانة بشكل غير مباشر بقوله: هذه الأحاديث التي يرويها ما نعرفها!

وأما ما رُوي عنه من إطلاق توثيقه ففيه وقفة، فما نقله الحاكم عن الدوري من قول ابن معين عنه: "ثقة" ليس في تاريخ الدوري المطبوع، ولما أورده الخطيب من طريق الدوري جاءت العبارة: سمعت يحيى بن معين يوثق أبا الصلت. وهذه العبارة يُمكن أن تجتمع مع نقل صالح بن محمد أن ابن معين كان يُحسن القول فيه، خلافاً لما نقله الحاكم عن صالح بن محمد نفسه بلفظ: صدوق! فبين العبارتين فرقٌ، والحاكم له عدة أوهام ومخالفات في النقل في المستدرك عموما، وفي هذا الحديث خصوصاً، كما سبق ويأتي، ولعله تسمّح ونقل بالمعنى الذي فهمه.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير