ومن أخطائه أنه عدّ رواية عبد الله بن أحمد عن أبي الصلت توثيقاً، وزعم تبعاً أن الإمام أحمد وثقه تبعاً، وكلا ذلك افتراء، فالإمام ضعّف أبا الصلت وأنكر حديثه كما تقدم، وكذا ابنه عبد الله بن أحمد تَكلم في أبي الصلت أيضاً؛ كما في ضعفاء العقيلي (3/ 70) وإكمال مغلطاي (8/ 274)! فضلا أن مجرد روايته عنه لا تلزم التوثيق، كما فصَّل الكواري في جزئه عن الحديث (ص18).
ومن أخطاء الغماري الفاحشة أنه روى الحديث بإسناده في فاتحة جزئه من طريق الذهبي في التذكرة (4/ 1231 دون إشارة!) من طريق أبي محمد الحسن بن أحمد السمرقندي الحافظ من هذا الوجه، ودلّس الغماري فزعم أنه رواه من كتاب بحر الأسانيد للسمرقندي، وهو لم يره، وإنما اعتمد على وصفه من قبل الذهبي، وهو بدوره نقلا عن النسفي في كتاب القند، ولم ينص الذهبي أن الحديث الذي أورده منقول من الكتاب المذكور! ولا ذكر ما يفيد أنه رآه بنفسه! وبعد أن زعم الغماري أخذه من الكتاب المذكور أوهم أن السمرقندي صححه فيه! وكرر ذلك في جزئه، وكل ذلك من الهوى، والله المستعان.
الرابعة: بالإمكان إضافة المزيد من الأئمة الذين أنكروا الحديث على أبي الصلت، وهم جل الذين سألوا ابن معين عنه، مثل: صالح بن محمد الحافظ الملقب جزرة، وابن الجنيد، والدوري، وعبد الخالق بن منصور، فيتضح من سياق أسئلتهم ورواياتهم أنهم يُنكرون ويستغربون حديثه هذا بالذات، وأنهم ما سألوا يحيى عن الرجل إلا لأجل الحديث فيما يظهر، ولهذا عندما يحيى كان يجيبهم إجابة فيها تردد أو عدم معرفة له كانوا يُخبرونه أنه روى حديث كذا، ومن تأمل ظهر له ذلك.
وبعد الفراغ من رواية أبي الصلت نعود إلى سياق الطرق عن أبي معاوية:
2) محمد بن جعفر الفَيْدي عن أبي معاوية:
ذكره هذه الرواية ابن معين كما سبق، وأخرجها الحاكم (3/ 127) عن محمد بن أحمد بن تميم القنطري، ثنا الحسين بن فهم، ثنا محمد بن يحيى بن الضريس، ثنا محمد بن جعفر الفيدي به.
قال الحاكم: ليعلم المستفيد لهذا العلم أن الحسين بن فهم بن عبد الرحمن ثقة مأمون حافظ.
قلت: كذا قال هنا، ولكنه قال في موضع آخر: ليس بالقوي، وقال شيخه الدارقطني: ليس بالقوي. (انظر: اللسان 2/ 308 - 309)، فالظاهر أن توثيقه هنا هو أحد أخطائه الكثيرة في المستدرك، ولا ننسى ما ذكره ابن حجر أن الحاكم ألف كتابه في آخر عمره، وأنه لم يُمْلِ إلا نحو الربع من الكتاب، ثم توفي دون إملاء بقيته، وكثر في القدر الباقي التساهل والوهم، حتى إنه صحح لبعض من كذّبهم وضعّفهم في كتبه الأخرى، وهذا الحديث جاء في النصف الثاني من الكتاب.
والقنطري ليّنه ابن أبي الفوارس، وأما الفيدي فقد روى الحاكم عن الدوري عن ابن معين توثيقه كما سبق، ولكن في النفس منه، فقد رواه الخطيب (11/ 50) من طريق الدوري دون ذكر التوثيق، وليس في ما بين أيدينا من تاريخ الدوري المطبوع، وهذا الذي اعتمده المزي في التهذيب (18/ 79)، بل جاء في نقل ابن حجر عن مستدرك الحاكم في إتحاف المهرة (8/ 41): قد حدّث به محمد بن جعفر الفيدي وهو معه. والنص يحتمل التصحيف ويحتمل عدمه. كما قال عنه البزار: صالح. وذكره ابن حبان في الثقات، وهما متساهلان، بينما اتهمه الدارقطني نصًّا في تعليقاته على المجروحين (179) بسرقة هذا الحديث من أبي الصلت، وتعمُّه تهمة جماعة من الحفاظ بسرقة الحديث من أبي الصلت، وأنه لم يروه من الثقات أحد عن أبي معاوية، وقال ابن حجر في التهذيب: له أحاديث خولف فيها. وقال في التقريب: مقبول.
وكما نرى أن الكلام تعارض فيه، فذُكر بنوع توثيق -على الخلاف المذكور في ثبوته- وجُرح، وقد فُسِّر الجرح بسرقة الحديث والمخالفة، فيُقَدّم كما هي القاعدة، بل جوَّز الألباني في الضعيفة (6/ 524) أن يكون هو بعينه جعفر بن محمد البغدادي الذي أشار مطين لكذبه -وتأتي روايته قريباً- ولكن انقلب اسمه، فإن الفيدي كوفي نزل بغداد، وكلاهما روى عنه مطين، فإن كان هو فيتأكد الجرح الشديد في حاله.
وعلى كل حال فمع ضعف سند الحاكم وتعدد العلل فيه فإنه قد خولف:
فرواه ابن محرز في معرفة الرجال (2/ 242) وابن المغازلي (128) عن محمد بن جعفر الفيدي، عن محمد بن الطفيل، عن أبي معاوية به.
¥