وروي من وجهين تالفين آخرين إلى سعيد بن جبير عن ابن عباس:
الأول: ما رواه أبوعبدالغني الحسن بن علي، عن عبدالوهاب بن همام، حدثني أبي، عن أبيه، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أنا مدينة الجنة، وعلي بابها، فمن أراد الجنة فليأتها من بابها".
رواه ابن المغازلي (127) والطوسي الرافضي في أماليه (1193) كلاهما من طريقه.
وأبوعبدالغني كذاب وضاع، وقال ابن عدي: له أحاديث لا يُتابع عليها في فضل علي.
وعبدالوهاب شيعي، وفيه كلام على صدقه.
وأما همام بن نافع فوثقه ابن معين، ولكن لم يذكروا من الرواة عنه إلا ولده عبد الرزاق، ونص الذهبي أنه ما علم عنه راوياً سواه، كما لم يذكر أحد ممن ترجم لعبدالوهاب روايته عن أبيه، ولا رأيت ذلك بالبحث، كما لم أر أحداً ذكر نافعاً برواية قط، فالظاهر أن السند من اختلاقات وتركيبات أبي عبد الغني، والله أعلم.
أما المتن فإنه مخالف للأشهر في الرواية.
الوجه الثاني: ما رواه ابن شاذان في مائة منقبة (18) من طريق سعد بن طريف، حدثني سعيد بن جبير، عن ابن عباس مرفوعا مطولا.
وهذا موضوع متأخرا، وابن شاذان وضاع، وابن طريف رافضي رمي بالوضع، وقد رُوي أصل الحديث عنه، عن الأصبغ بن نباتة، عن علي، وسيأتي.
على أن في النفس من صحة أي كتاب ينفرد الرافضة بوجوده وإخراجه مما فيه أسانيد، لأنه جُرِّب عليهم وضع كتب كاملة بأسانيدها؛ ونسبتها إلى قدماء مصنفي ورواة الرافضة والمنسوبين للتشيع، ومن أمثلة ذلك كتاب شواهد التنزيل المنسوب للحاكم الحسكاني، فهو موضوع جملة وتفصيلا، والحسكاني بريء منه ومن أسانيده المركبة.
وكتاب مائة منقبة هذا تفرد بطرق كثيرة مركبة لا يرويها سواه، فلا يبعد أن يكون من جنس ما سبق، والله أعلم.
ولهذا فإني وقفت على طرق منسوبة للحديث تفردت بها كتب الرافضة -مثل كتب المسمى عندهم الصدوق، والمفيد، وتفسير فرات، وعيون أخبار الرضا، وبشارة المصطفى للطبرسي، ووسائل الشيعة للعاملي، والمناقب لمحمد بن سليمان، ولابن حمزة الطوسي، وشواهد التنزيل، وغيرها- فأعرضتُ عنها رأساً تأسيًّا بالحفاظ، فكلها موضوعات، ولا أصل لها مطلقاً، والرافضة أكذب الخلق قديماً وحديثاً.
حتى أحمد الغماري -مصحح الحديث لتشيعه! - يقول في كتابه الجواب المفيد (52): أنا لا أثق في علم الشيعة الإمامية الروافض، لأنهم كذبة .. إلى أن قال: إلا أنهم لكذبهم وكذب مصادرهم وخبث مذهبهم لا أعتمد عليهم.
وأما حديث علي بن أبي طالب، فله طرق:
الطريق الأولى: حديث سلمة بن كهيل، وفيه اختلاف:
فرواه الترمذي (3723) وابن جرير في تهذيب الآثار (104 مسند علي) عن إسماعيل بن موسى الفزاري، عن محمد بن عمر الرومي، عن شريك، عن سلمة بن كهيل، عن سويد بن غفلة، عن الصنابحي، عن علي مرفوعا بلفظ: "أنا دار الحكمة وعلي بابها".
ورواه ابن عساكر (42/ 378) وابن حمويه الجويني في فرائد السمطين (كما في نفحات الأزهار 10/ 333) من طريق عبيد الله بن محمد الكوفي، نا إسماعيل بن موسى، به، إلا أنه لم يذكر سويد بن غفلة.
وتوبع على هذا الوجه، فرواه القطيعي في جزء الألف دينار (216) وفي زوائد فضائل الصحابة (2/ 634 رقم 1081) وابن حبان في المجروحين (2/ 94 معلقا) وابن بطة في الإبانة –ومن طريقه ابن الجوزي في الموضوعات (1/ 349) - وأبونعيم في المعرفة (1/ 88 رقم 347 الوطن) وأبوطاهر السلفي في المشيخة البغدادية (25/أ) من طريق أبي مسلم إبراهيم بن عبدالله الكشي.
ورواه الآجري في الشريعة (1550) من طريق بحير بن الفضل العنزي، كلاهما عن ابن الرومي، عن شريك، عن سلمة، عن الصنابحي، عن علي مرفوعا بلفظ "مدينة العلم"، ليس فيه سويد بن غفلة.
ورواه ابن المغازلي في المناقب (129) وابن عساكر (42/ 378) والذهبي في الميزان (2/ 251) من طريق سويد بن سعيد، عن شريك، عن سلمة، عن الصنابحي، عن علي، مرفوعا، ليس فيه سويد بن غفلة.
ورواه أبونعيم في الحلية (1/ 64) -ومن طريقه ابن الجوزي في الموضوعات (1/ 349) ومحمد الكنجي في كفاية الطالب (118) - وابن الجزري في مناقب الأسد الغالب (29) من طريق الحسن بن سفيان، عن عبدالحميد بن بحر، عن شريك، عن سلمة بن كهيل، عن الصنابحي، عن علي.
¥