وهذا الحكم لا يستقيم مع نظر أئمة الحديث ونقاده، بل مع واقع الرواية، فكيف يخالف عبيد الله -وقد عُرف بأن له أخطاء- ذلك الجمع الكثير، وفيهم أوثق منه بمراحل، وفيهم حفاظ حديث أيوب = ثم تصحح روايته؟!
بل روايته خطأ ظاهر، والله أعلم.
وقد اختُلف في متنها، فاقتصر بعضهم على قوله: " فلا تفعلوا "، وقال بعضهم: " فلا تفعلوا أو ليقرأ أحدكم بفاتحة الكتاب ... "، وقال آخرون: " فلا تفعلوا وليقرأ أحدكم ... "، ولن أتعرض لهذا هنا، فقد ظهر خطأ هذه الرواية إسنادًا.
هذا، وقد جاء لعبيد الله بن عمرو ما صورته متابعة، أخرجها البيهقي في الجزء من طريق محمد بن الحسن الرقي عن سليمان بن عمر الأقطع الرقي عن إسماعيل بن عليّة، وهذه الرواية خطأ؛ فقد خالف فيها سليمان هذا أحمدَ بن حنبل ومؤملَ بن هشام، روياه عن ابن عليّة عن أيوب عن أبي قلابة مرسلاً، ولذا استغربها الحافظ أبو علي النيسابوري، وهو راويها عن محمد بن الحسن الرقي، قال -بعد روايته-: " لم أكتبه إلا عن هذا الشيخ من كتابه ".
ب- سلام بن سليمان أبو المنذر:
رواه عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي هريرة، وسلام صدوق ليس بذاك الثقة، يخطئ، وهذا الإسناد من أخطائه -كما هو ظاهر-، فإنه لم يقل ذلك عن أيوب إلا هو، والجماعة على روايته عن أيوب مرسلاً.
ج- الربيع بن بدر:
والربيع هذا واهٍ متروك، فلا يُطال في الكلام عن روايته.
3 - مقارنة بين الوجهين (روايتي خالد الحذاء وأيوب):
ولكلّ منهما قوة ومرجح:
# مرجحات رواية أيوب السختياني (عن أبي قلابة مرسلاً):
1 - أن أيوب ثقة ثبت حجة، وقد فُضّل على خالد الحذاء نفسه، قال ابن المديني: «أيوب ثبت، وليس في القوم -يعني: هشامًا وسلمة بن علقمة وعاصم الأحول وخالد الحذاء- مثل أيوب وابن عون»، وقد فضّل ابن معين أيوب على ابن عون أيضًا، وقال أبو حاتم الرازي: «أيوب السختياني أحب إليّ في كل شيء من خالد» (الجرح والتعديل: 2/ 255).
2 - أن كتب أبي قلابة آلت إلى أيوب بوصية منه، قال أيوب: «أوصى إليّ أبو قلابة بكتبه، فأتيت بها من الشام» (العلل ومعرفة الرجال لأحمد: 2/ 386)، وقال حماد بن زيد: أوصى أبو قلابة قال: «ادفعوا كتبي إلى أيوب إن كان حيًّا، وإلا فأحرقوها» (طبقات ابن سعد: 7/ 185، وانظر: تاريخ أبي زرعة الدمشقي، ص226).
3 - أن الدارقطني رجّح هذا الوجه، قال: «والمرسل الصحيح»، وقال: «والمرسل أصح» (العلل: 9/ 64، 12/ 238)، وكذا فعل ابن عبد البر (الاستذكار: 4/ 236)، وابن القيم (حاشية السنن: 3/ 37).
# مرجحات رواية خالد الحذاء (عن أبي قلابة عن محمد بن أبي عائشة عن رجل من الصحابة موصولاً):
1 - أن خالدًا ثقة حافظ.
2 - أن خالدًا كان أشد تثبتًا من هذا الحديث، فإنه لما رواه عن أبي قلابة مرسلاً، عاد فسأل أبا قلابة عمن حدثه به، فأخبره، وهذا يدل على مزيد حفظ وتثبت من خالد لهذا الحديث خاصة. ومما يدل على ذلك كذلك: أن خالدًا لما روى الحديث قال -كما في رواية شعبة عنه-: «وحدثني -يعني: أبا قلابة- بعدُ ولم يقل: " إن شاء "، فقلت لأبي قلابة: إن شاء؟ قال: " لا أذكره "»، فمعاودته السؤال بعد السؤال لأبي قلابة عن هذا الحديث تفيد زيادة ضبطه له.
وكون خالد أحفظ لهذا الحديث هو ما حكم به الإمام أبو زرعة الدمشقي -كما سيأتي-.
3 - أنه قد تبيّن -كما سبق في الكلام على رواية خالد الحذاء- أن خالدًا كان يروي الحديث كرواية أيوب، ثم استفصل من أبي قلابة؛ فبيّن له السند الموصول للحديث، فاتفق خالد وأيوب في رواية الحديث عن أبي قلابة مرسلاً، ثم تبيّن لخالد أن أبا قلابة رواه موصولاً؛ فرواه كذلك.
واستمرار أيوب في رواية المرسل قرينة تدل على أنه ما علم بالموصول الذي كان عند أبي قلابة، إذ لم يستفصله، وربما كان ذاك لأنه كان أقدم وأكبر من خالد الحذاء، فأخذ الرواية الأولى، ولم يعد كما عاد خالد، أو أن هذه الرواية كانت في كتب أبي قلابة التي أخذها أيوب، وكان الوجه الموصول في محفوظ أبي قلابة، فروى أيوب ما كان في الكتاب، وروى خالد ما حفظه أبو قلابة.
4 - أن أبا قلابة نفسَهُ كان من يرسل الأحاديث وهي عنده موصولة، وكانت هذه عادة عند بعض التابعين، وإذا استُفصلوا أبانوا الإسناد المتصل.
قال يزيد بن أبي مريم الشامي: كان يقدم علينا أبو قلابة، فينزل دار صفوان، فقدم؛ فنزل داريا، فقلت له: كان الله ينفعنا بمجالستك، فقال: «كنا نجالسكم، فلما قلتم: عمن؟ تركنا ذاك» (تاريخ أبي زرعة الدمشقي، ص125)، فيظهر أن أبا قلابة كان يرسل الأحاديث ولا يسندها، فكان يزيد وقومه يسألونه: عمن؟ أي: عمن تروي هذه الأحاديث، فضجر أبو قلابة، فلم ينزل قريبًا منهم. وهذا دليلٌ على عادة أبي قلابة في ذلك.
فيكون حديثنا هذا من تلك البابة، فهو عند أبي قلابة على الوجه الموصول، لكنه حدث به مرسلاً -حسب العادة، أو تقصيرًا-، فلما استفصله خالد الحذاء، بيّن له إسناده.
5 - أن أبا زرعة الدمشقي قد رجّح هذا الوجه، فقد بين أن الراجح عن أيوب: الوجه المرسل، ثم قال: «هذا الصحيح من حديث أيوب، وخالد أحفظ له» (الفوائد المعللة، رقم: 102).
¥