و الفرق بين هذا النوع و التدليس, أن التدليس قد اختلط فيه ما سمعه من الشيخ مما لم يسمعه منه مما قد رواه عنه بصيغة تحتمل السماع ك (عن) أو (قال) , و أما هذا النوع, فالأصل فيه عدم الإختلاط, لتميز ما سمعه من الشيخ مما لم يسمعه منه, فلا يلزم تتبع السماع و إنما يكفي الباحث أن ينظر هل هذا الحديث مما ذكر ضمن مسموعاته أم لا.
و- التفريق بين ما رواه الراوي من كتاب وجادة, وبين ما رواه من كتاب شيخ قد ثبت له سماعه:
فإن كثيرا من أهل العلم لا يحتجون بالمسألة الأولى خلاف الثانية التي احتج بها مسلم و غيره من أهل العلم.
ز- دراسة سماع من تكلم في سماعه من شيخ معين على التمريض لا الجزم:
كـ (قيل: إنه لم يسمع منه) فهذا الراوي لابد للباحث أن ينظر في صحة سماعه من شيخه أو عدمه, و لا يسلم لمثل هذا القول دون عناية بدراسته.
ح- التثبت من تدليس من وصف بالتدليس من الرواة:
فإن بعض أهل العلم يطلقون التدليس على الإرسال, لا سيما و إن كان إرسالا خفيا, مع ما بينهما من فرق يفرق في الحكم و من هؤلاء العلماء: النسائي, وابن حبان و الحافظ الذهبي, ولذلك فلابد من الرجوع إلى أقوال أهل العلم في وصف الراوي بالتدليس لمعرفة إذا ما كان المقصود بوصفه بالتدليس هو التدليس أو المقصود به الإرسال سواء كان خفيا أو جليا.
ط- ترك التحقق من سماع المدلس إذا كان الرواي عنه هو شعبة بن الحجاج - رحمه الله تعالى -:
فإنه كان يتتبع السماع من الرواة, لا سيما المدلسين منهم وكان يراجعهم في سماعاتهم, و لذا ذهب الحافظ ابن حجر إلى أن من روى عنه شعبة ممن وصف بالتدليس, و كانت روايته معنعنه فهي محمولة على السماع, لآنه لا يروي عنهم إلا ما ثبت لهم سماعه.
-نتيجة التحقق من الشرط الأول:
فإذا تحقق الباحث من الشرط الأول من شروط الصحة وهو اتصال السند, فقد جاز القنطرة الأولى وأما إن تبين له أن ثمة انقطاع في السند, فلابد له من أن يتبين هذا النوع من الإنقطاع, حتى يستطيع الحكم عليه بوصف ملائم, فإذا كان الإنقطاع في رواية معنعه لراو موصوف بالتدليس فهي على قسمين:
1 - أن يثبت فعلا أنه قد دلس الرواية بأن يروى من وجه آخر صحيح عنه مصرحا فيه بالواسطة بينه وبين شيخه الذي في السند الأول فهذا: هو المدلس حقيقة , فيقول الباحث (هذا إسناد مدلس) أو (قد دلسه فلان).
2 - أن تأتي جميع الروايات عن هذا الراوي الموصوف بالتدليس, و لا يصرح في شيء منها بالسماع, مع عدم ورود رواية تدل على أنه قد دلس هذا السند, فهو حينئذ مردود لاحتمال التدليس, لا لوقوعه, والباحث في هذه الحالة يصف ذلك بقوله (هذا السند فيه فلان , وهو موصوف بالتدليس , و قد عنعنه) , فإن وصف الراوي بالتدليس بمنزلة الجرح الذي يمنع من الإحتجاج بروايته إلا إذا صرح بالسماع.
* كيف نبحث في مصنفات أهل العلم لدراسة اتصال سند أو انقطاعه:
- المرحلة الأولى: النظر في المصنفات التي ترجمت للراوي بحسب تخريج حديثه, فإذا كان الحديث - قيد البحث - من أحاديث الكتب الستة فيراجع أول ما يراجع الباحث ترجمة الراوي في (تهذيب الكمال) للحافظ المزي, فإذا وجد الباحث رواية الراوي عن شيخه في (الصحيحين) أو في أحدهما, فهذا دليل على الإتصال, إلا أن يجد في الترجمة ما يدل على خلاف ذلك, و إن كانت في غير الصحيحين و لم يرد في ترجمته من (تهذيب الكمال) ما يدل على الإنقطاع أو الإرسال, فلابد أن ينظر ترجمته في (تهذيب التهذيب) للحافظ ابن حجر, فإن كان الراوي غير مترجم له في رجال الكتب الستة أي غير رجال (التهذيب) فحينئذ لابد على الباحث أن يتتبع ترجمته في كتب التراجم للوقوف على سماعه من شيخه و للوقوف على حاله من حيث الجرح والتعديل.
- المرحلة الثانية: النظر في كتب المراسيل و هي الكتب التي اعتنت بذكر الروايات المرسلة أو المنقطعة و التي يجب على الباحث الرجوع إليها للتحقق من الإتصال أو الإنقطاع و من أهمها (المراسيل) لابن حاتم و (المراسيل) لأبي داود السجستاني و (جامع التحصيل في أحكام المراسيل) للحافظ العلائي و (تحفة التحصيل في ذكر رواة المراسيل) لولي الدين أبو زرعة العراقي.
¥