وقال ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل للرازي ترجمة 1469: مجاهد بن جبر روى عن عائشة مرسل ولم يسمع منها.
أنبأنا عبد الرحمن، سمعت أبي يقول: سمعت يحيى بن معين يقول: لم يسمع مجاهد من عائشة.
وقال عباس الدوري في تاريخه ج2ص549 - 550: قيل ليحيى وأنا أسمع، يروى عن مجاهد أنه قال: خرج علينا علي بن أبي طالب!! فقال: ليس هذا بشيء.
وقال: وسئل عن حديث مجاهد عن عائشة فقال: كان يحيى بن سعيد القطان ينكره.
وقال ابن الجنيد كما في السؤالات ترجمة 50: سئل يحيى بن معين وأنا اسمع عن مجاهد قال: سمعت عائشة، فقال: كان يحيى القطان ينكر ذلك ويروى من حديث عن مجاهد قال سمعت عائشة.
وقال عبد الله كما في العلل ج1ص247: قال أبي كان شعبة ينكر أن يكون مجاهد سمع من عائشة، وقال يحيى بن سعيد في حديث موسى الجهني عن مجاهد قال: أخرجت إلينا عائشة أو حدثتني عائشة، قال يحيى بن سعيد: فحدثت به شعبة فأنكر أن يكون مجاهد قد سمع من عائشة.
وقال الحلبي في شرح البخاري: مجاهد معلوم التدليس، فعنعنته لا تفيد الوصل، ووقع الواسطة بينه وبين ابن عباس.
فمجاهد مدلس من قول ابن معين إن مجاهدا قال: خرج علينا علي فهذا عين التدليس ومعناه الإبهام والتغطية،
قال الحلبي: وأما البخاري فلعله اتبع شيخه ابن المديني فروى في صحيحه عن مجاهد عن عائشة.
وأخرج مسلم في كتاب المناسك، من رواية ابن أبي نجيح عن مجاهد عن عائشة رضي الله عنها قالت حضت بسرف فطهرت بعرفة فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم يجزئ عنك طوافك بالصفا والمروة عن حجك وعمرتك.
قال رشيد الدين العطار في كتابه غرر الفوائد وقد ساق هذا الحديث وغيره ممما رواه مجاهد عنها:
وفي اتصال هذا الإسناد نظر، فإن جماعة من أئمة أهل النقل أنكروا سماع مجاهد عن عائشة، منهم شعبة، ويحيى القطان، ويحيى بن معين، وغيرهم. وقال ابن أبي حاتم: سمعت أبي يقول: مجاهد عن عائشة مرسل.
قال رشيد الدين: والعذر لمسلم رحمه الله هو اعتبار التعاصر وجواز السماع وإمكانه، ما لم يقم دليل بين على خلاف ذلك، ولا خلاف في إدراك مجاهد بن جبر لعائشة ومعاصرته لها، ومع هذا فقد أخرج مسلم معنى هذا الحديث من رواية طاوس عن عائشة بإسناد لا أعلم خلافا في اتصاله، وقُدم على حديث مجاهد هذا والله عز وجل أعلم.
وقد أخرج الشيخان حديثا غير هذا لمجاهد عن عائشة أيضا من رواية منصور عن مجاهد قال دخلت أنا وعروة بن الزبير المسجد فإذا عبد الله بن عمر جالس إلى حجرة عائشة والناس يصلون الضحى الحديث بكماله وفيه وسمعنا استنان عائشة فقال عروة ألا تسمعين يا أم المؤمنين إلى ما يقول أبو عبد الرحمن الحديث اهـ.
قلت: وفي ظاهر لفظ هذا الحديث ما يدل على سماع مجاهد من عائشة وردا على من قال بأن حديث عائشة السابق عند مسلم منقطع، وأعذر مسلما بعدم اشتراطه السماع والاكتفاء بالمعاصرة، فإن البخاري أشد في شرطه من مسلم إذ اشترط اللقي والسماع مرة واحدة فأكثر. فكيف يقال إن حديث مسلم منقطع والبخاري أخرج لمجاهد عنها أيضا؟. فلو لم يكن عنده متصلا لما أخرجه في صحيحه، ورواية مجاهد عن عائشة كثيرة في الصحيحين، وقد رجح شيخنا الألباني سماعه منها في الإرواء، ثم إن حديث مسلم الذي مر آنفا روى مسلم غيره في معناه من رواية طاوس عن عائشة.
وقد قال ابن حجر في التهذيب: وقع التصريح بسماعه منها عند أبى عبد الله البخارى في صحيحه.
وأخرج النسائي في سننه من رواية موسى الجهني عن مجاهد قال أتى مجاهد بقدح حزرته ثمانية أرطال فقال حدثتني عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغتسل بمثل هذا.
قلت: وهذا أيضا يدل على سماعه منها والله عز وجل أعلم.
قال الزركشي في الإجابة: بعدما ذكر حديث الشيخان السابق:
وقد سبق أن البخاري ومسلما رويا حديث مجاهد عن عائشة وهو منها تصريح بأنه سمع منه لاسيما على شرط البخاري، لكن قال يحيى بن سعيد القطان لم يسمع مجاهد من عائشة وكان شعبة بن الحجاج ينكره وهو قول يحيى بن معين و أبي حاتم الرازي أيضا.
قال ابن حبان رحمه الله: (ماتت عائشةُ سنة سبع وخمسين، ووُلد مجاهد سنة إحدى وعشرين في خلافة عمر، فدَلَّكَ هذا على أن مَنْ زعم أن مجاهدًا لم يسمع من عائشة كان واهمًا في قوله ذلك)؟
قلت: فقد جعل ابن حبان اللقي حجة لإثبات سماع مجاهد منها، تبعا لشرط مسلم رحمه الله، فلا يخفى عليه ما روياه –أي الشيخان- من الأحاديث عن مجاهد عنها.
والخلاصة: أن مجاهدا سمع من عائشة، وسماعه لها ثابت بدليل ما في الصحيحين وغيره، وبدليل ما سقناه أيضا في هذه العجالة، وهو ما رجحه شيخنا الألباني رحمه الله في الإرواء كما سبق، وأما تدليسه فلا منكر له غير أن ما في الصحيحين مقدم على ما سواهما، إذ يكفينا شرفا أن الأمة تلقتهما بالقبول.
وأما الحديث المذكور فهو صحيح رواه أحمد عن شيخه أبي نعيم وقد جاء التصريح بالسماع فيه، بقوله: (قالت) إذ لفظ (قال) محمول على السماع إذا عرف اللقاء، قال النووي في التقريب: واوضح العبارات: قال أو ذكر من غير (لي) أو (لنا) اهـ.
كما رواه البزار والنسائي والطبراني في الأوسط، وقال الهيثمي في المجمع: رجاله -أي في مسند أحمد- رجال الصحيح. والله أعلم
¥