سابعا: قولك: (أما إذا اتفق (كبار) النقادو (متقدميهم) و (أكثرهم) على جرح الراوي (بأشد العبارات) فلا يفرح بالراوي بعدهم ولايصلح للإعتبار مطلقاً، ولا نحتاج بعدهم للتمحل، ومحاولة تحوير عباراتهم، وهذا هوحال حماد بن أبي حميد، فكبار الأئمة النقاد المتقدمين وأكثرهم على (نكارته) وليس (ضعفه) بل نكارته، ابن معين وأحمد والبخاري، وغيرهم.) قول عجيب و غريب , فبالإضافة إلى أنهم لم يتفقوا على نكارة نفس الراوي كما زعمت و بينت لك ذلك , فأيضا من قال لك أن هذه العبارة هي (أشد العبارت) و لا يصلح حديث الراوي بعدها للاعتبار مطلقا , و ما دليل ذلك؟!!!!! و قد ذكرت لك أدلة أن هذه العبارة ذكرت فيمن يصلح حديثهم للاعتبار , و ارجع لأمثلتي السابقة من كلام النقاد و لا حاجة لتكرارها , و يبدو أنك لم تقرأ ما كتبت , و للتذكير ارجع لقول أبي حاتم عن عبد الله بن جعفر: (منكر الحديث جدا) و قال (يحدث عنالثقات بالمناكير) ثم قال بعد ذلك (يكتب حديثه و لا يحتج به) , أي أن حديثه يصلحللاعتبار.
و كما قلت سابقا لا يجوز لنا أن نترك تفسير الترمذي لأقوالهم و نذهب لتفسير أحد من المعاصرين.
سابعا: بالنسبة لعبارة (فيه نظر) , فقد أخطأ في فهمها بعض المتأخرين و العبرة بالدليل.
قال الشيخ الجديع في تحرير علوم الحديث:
" شاع استعمال هذه العبارة عن البخاريِّ، واستعملها غيره من المتقدمين بقلَّة، كأبي حاتم الرازي وابن عديِّ وأبي أحمد الحاكم وغيرهم، وأكثر من استمالها من المتأخرين أبو المحاسن محمد بن علي الحسيني صاحب " الإكمال في ذكر من له رواية في مسند أحمد ".
وقد قال الذهبي في تفسيره هذه اللفظة: " قلَّ أن يكون عند البخاري رجل فيه نظر، إلا وهو متهم "، وقال في موضع آخر: " لا يقول هذا إلا فيمن يتهمه غالباً ".
قلت: لكن المتَتَبَّع لاستعمال البخاري له لا يجد ما أطلقه الذهبي صواباً، بل إنك تجده قالها في المجروحين على اختلاف درجاتهم، كما قالها في بعض المجهولين الذين لم يتبيَّن أمرهم لقلة ما رَوَوا، بل قالها في رواة هم عند غيره في موضع القبول.
فقالها في (عبد الحكيم بن منصور الخزاعي)، وهو متروك متهم.
وقالها في (حريث بن أبي مطر الحنَّاط)، وهو منكر الحديث.
وقالها في (عمرو بن دينار قَهْرَمانِ آل الزبير)، وهو ضعيف الحديث.
وقالها في (علي بن مسعدة الباهلي)، وهو صالح الحديث يعتبر به.
وقالها في (جميل بن عامر)، وهذا ذكره ابن عدي وقال: " يعرف بحديث أو حديثين ".
كما قالها في (سعيد بن خالد الخُزاعيِّ)، وقال ابن عدي: " هذا الذي ذكره البخاري إنما يشير إلى حديث واحد، يرويه عنه عبد الملك الجُدِّيُّ، وهو يعرف به، ولا يعرف له غيره ".
وفي (شعيب بن ميمون) يروي عن حصين بن عبد الرحمن وغيرِهِ، وذكر ابن عدي أن الرجل له حديث واحد، وقال أبو حاتم الرازي: " مجهول ".
وقالها في (حُيَيِّ بن عبد الله المعافِريَّ)، وهو حسنُ الحديث لا بأس به.
وقالها في (حبيب بن سالم مولى النعمان بن بشير)، وقد احتج به مسلم في " صحيحه " في موضع واحد، وهو صدوق حسن الحديث، وثقه أبو حاتم الرازي وأبو داود السجستاني وابن حبان.
وأكثر الذين قال فيهم البخاري تلك العبارة هم ممن يكتب حديثه ويعتبر به، وفيهم جماعة كانوا قليلي الحديث، غير مشهورين به، لا يَصِلون إلى حدِّ السُّقُوط، خلافاً لما قاله الذهبي.
ومما يبين مراد البخاري بقوله هذا، ما ذكره الترمذي عنه من قوله في (حكيم بن جبير): " لنا فيه نظر "، قال الترمذي: " ولم يعزم فيه على شيء ".
فهذا يدل على أن هذه العبارة من البخاري فيمن هو في موضع تأمُّل وتوقُّف عنده، فهي عبارة احتراز عن قبول حديث الراوي والاحتجاج به، أو الاعتبار به، ولكونِها توقفاً عن القبول، فهي في جملة ألفاظ الجرح، وإن لم يقصد البخاري إلحاق الجرح بمن أطلقها عليه.
وأكثر ما يقال: هي من عبارات الجرح المجملة، يبحث عن تفسيرها في كلام سائر النقاد في ذلك الراوي ".
¥